
بريق أمل
هنادي عوض بشير
في بلد أنهكته الحروب والأزمات، لم يتورع ضعاف النفوس عن تحويل الألم إلى سلعة والمتاجرة بدموع المرضى. فما أن يهدأ الناس من أزمة حتى يفاجَؤوا بأخرى أشد وقعًا، وكأن أنفاسهم لا يُراد لها أن تلتقط.
تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي خبرًا صادمًا عن ضبطية كشفت الوجه الحقيقي للانتهازية. فقد تمكنت الخلية الأمنية المشتركة لقطاع كرري بأمدرمان من الإطاحة بشبكة إجرامية تنشط في بيع دربات البندول في السوق الأسود، خارج المظلة الطبية الرسمية. المفاجأة الأكبر كانت العثور على (8622) كرتونة تحتوي على (86238) درب بندول مخزنة داخل ثلاجة بطاطس، في مشهد يختصر كل أشكال الجشع والاستهتار بأرواح البشر.
هذه ليست مجرد جريمة تهريب أو تخزين أدوية، بل هي خيانة للضمير الإنساني قبل أن تكون مخالفة للقانون. ففي وقت يلهث فيه المواطن وراء جرعة دواء تسكن وجعه أو تحيي أملاً في إنقاذ مريض، هناك من يختبئ خلف جدران باردة ليحوّل الدواء إلى سلعة ابتزاز ومزاد مفتوح لأثرياء السوق الأسود.
الأسئلة تتزاحم: أين القيم؟ أين الضمير؟ كيف تجف القلوب إلى هذا الحد، حتى يُخزَّن العلاج وسط البطاطس في انتظار ساعة البيع والربح؟
إن مواجهة هذه الجريمة لا تحتمل المجاملة ولا التساهل. فالمتاجرة بصحة الناس أبشع من أي فساد اقتصادي، لأنها طعنة مباشرة في حياة المواطنين. ومن هنا، فإن الواجب يحتم على العدالة أن تسخّن زيت القانون جيدًا لتقلي فيه كل من تجرأ على المتاجرة بآلام الناس.
قد يظن الانتهازيون أن برودة الثلاجات تحميهم، لكن نار القصاص قادمة لا محالة. وسيبقى الأمل معقودًا على أن ينهزم جشعهم، وتنتصر إنسانيتنا على تجار الوجع وصناع الأزمات.