تقارير

البلاد افتقدت رمزاً للفطنة، وصوتاً للعقل،،الأمير عبد القادر منصور،، رحيل الحكمة والشجاعة والصمود

 

احتجزته الميليشيا وحاصرت منزله، ومنعته من السفر لتلقِّي العلاج..

ظل موقفه الداعم للقوات المسلحة ثابتاً، رغم اجتياح الميليشيا للنهود..

الحكومة تدين “الاستهداف الممنهج” لرموز الإدارة الاهلية من قبل الميليشيا..

البرهان وكباشي يؤديان واحب العزا في ناظر عموم قبيلة حمر..

بروف عوض: كان أديباً مفوّهاً، وشاعراً مطبوعاً، وأميراً لأمراء السودان..

 تقرير: إسماعيل جبريل تيسو..

 

فقدت البلاد أمس واحداً من قيادات الإدارة الأهلية، ورموزها الوطنية، بوفاة الأمير عبد القادر منعم منصور، ناظر عموم قبيلة حمر، فلم يكن رحيله حدثاً عادياً في سجل الحرب الدائرة بالبلاد، بل كان فصلاً جديداً من فصول الثبات والشجاعة في وجه التمرد، فحكيم النهود، الذي ظلّ رمزاً للحصافة والبصيرة والاتزان، رفض مغادرة مدينة النهود حين اجتاحتها ميليشيا الدعم السريع المتمردة مطلع مايو الماضي، مفضلاً البقاء في داره بين أهله وشعبه رغم إدراكه التام لمخاطر الحصار، وقد جسّد بذلك موقفاً بطولياً نادراً، إذ آثر أن يواجه قدره بصمت المؤمنين وشجاعة القادة الحقيقيين، ومع تقييد الميليشيا حركته ومنع سفره للعلاج، تدهورت الحالة الصحية خاصة بعد انقطاع الأدوية الخاصة بأمراضه المزمنة، ليتم نقله إلى مستشفى النهود حيث لفظ فيها أنفاسه الأخيرة، شهيداً للصمود والموقف النبيل.

 

موقف وطني ثابت:

لقد ظلّ الأمير عبد القادر منعم منصور ثابتاً على موقفه الوطني منذ اندلاع تمرد ميليشيا الدعم السريع منتصف أبريل 2023م، معلناً تأييده الصريح للقوات المسلحة السودانية، إيماناً منه بأن الجيش هو رمز الدولة وهيبتها، وأن الوقوف معه واجب وطني لا حياد فيه، ولم يتراجع الأمير عن قناعته حتى بعد اجتياح ميليشيا الدعم السريع لمدينة النهود مقر نظارته، حيث ثبت رغم الضغوط والتهديدات، بل واجه عناصر الميليشيا بثبات نادر وشجاعة أدهشت الجميع، فكان صموده يمثل رسالة رمزية مفادها أن القيم لا تُقهر وإن قُهر الجسد، وقد اتخذ كثيرون من موقفه مثالاً لمعنى الولاء للوطن في أشدّ الظروف قسوة، مؤكدين أن هذا القائد التاريخي رحل ثابتاً كما عاش، فالشجر يموت واقفاً.

 

أمير أمراء السودان:

“كان أميراً لأمراء السودان، وحظيت زعامته بإجماع كبير من نُظار وأمراء القبائل في مختلف أقاليم البلاد”، هكذا ابتدر البروفيسور عوض إبراهيم عوض، أستاذ اللغة العربية والإعلام بجامعة الملك خالد في مدينة أبها بالمملكة العربية السعودية وأحد أبرز النخب المستنيرة بمدينة النهود، ابتدر حديثه للكرامة، مبيناً أن الأمير الراحل كان يتمتع بهيبة وعقل راجح وقدرة على جمع الصف وتوحيد الكلمة، وقال البروفيسور عوض إن الأمير عبد القادر كان رجل حلٍّ وعقدٍ، ظلّ يلعب أدواراً محورية في ترسيخ مفاهيم السلم الاجتماعي ومعالجة النزاعات الأهلية، وكان يُستدعى دائماً في أوقات الأزمات لرجاحة عقله وسعة صدره، منوهاً إلى أن الراحل كان أيضاً أديباً مفوهاً وشاعراً مطبوعاً من شعراء غرب السودان المرموقين، تغنّى المطربون بأهازيجه، لكنه ظل متواضعاً محتجباً عن الأضواء والشهرة، مفضلاً أن يخدم مجتمعه بصمت.

 

مسؤوليات ومهام:

وفي سردية عن المسؤوليات التي تقلدها الأمير عبد القادر منعم منصور، قال بروفيسور عوض إبراهيم عوض إن الأمير الراحل تولى في بداياته مسؤولية إدارة منطقة المربعات بدار حمر في عهد والده الراحل الشيخ منعم منصور، فكان مثالاً للحزم والعدل، واستطاع أن يحافظ على الأمن الاجتماعي في منطقة تتوسط العديد من القبائل، وأضاف: “بعد وفاة شقيقه منصور منعم منصور، اجتمعت الأسرة على اختياره ناظراً عاماً”، وأبان بروفيسور عوض أن الأمير عبد القادر استطاع أن يقود قبيلة حمر بحكمة بالغة، حيث حافظ على التوازن في فترات شهدت تحولات سياسية واجتماعية كبيرة، ولعب دوراً محورياً في تجنيب المنطقة صدامات كانت وشيكة حين برزت بعض الأجسام الشبابية ذات الطابع المتوتر، إذ استخدم حكمته وحنكته السياسية لتغليب صوت العقل ومنع سفك الدماء، وأشار إلى أن الراحل كان يؤمن بأن دار حمر هي نموذج مصغر للسودان، وكان يردد دوماً مقولة والده الراحل: “النهود فروة نمر يعيش فيها الجميع”، في إشارة إلى عمق التعايش بين مكونات المدينة التي احتضنت قبائل الدينكا، والنوبة، والشايقية، والجعليين، وغيرهم في وئام وسلام.

 

إدانة الحكومة:

وتأتي وفاة ناظر عموم قبيلة حمر الأمير عبد القادر منعم منصور بغرب كردفان، بعد نحو أسبوع واحد فقط على مقتل ناظر عموم قبيلة المجانين بشمال كردفان، “سليمان جابر جمعة سهل”، ولما كان الراحلان ضحيتين لميليشيا الدعم السريع فقد سارعت الحكومة السودانية إلى إصدار بيان أدانت فيه الاستهداف الممنهج لرموز الإدارة الاهلية من قبل الميليشيا المتمردة، وطالبت الحكومة في بيانها المجتمع الدولي والمنظمات الإقليمية والحقوقية إلى إدانة هذه الجرائم والتحرك العاجل لحماية المدنيين وصون كرامة الإنسان السوداني، محملةً ميليشيا الدعم السريع المتمردة المسؤولية الكاملة عن وفاة الأمير عبد القادر منعم منصور، مؤكدة أن احتجازه ومنعه من السفر للعلاج يُعد انتهاكاً صارخاً للحق في الحياة والصحة، وقد يرقى إلى مستوى جريمة ضد الإنسانية.

 

خاتمة مهمة:

على كلٍّ فبرحيل الأمير عبد القادر منعم منصور، ناظر عموم قبيلة حمرن تكون قد طُويت صفحة مضيئة من صفحات الحكم الأهلي في السودان، وفقدت دار حمر رمزاً من رموز الحكمة والوحدة الوطنية، ذلك أن الراحل قد جسّد معنى القيادة المسؤولة التي تجمع ولا تفرق، وتُطفئ ولا تشعل، وتزرع الأمل في قلب الوطن الجريح، والآن، بينما يودّعه أهله بالدموع والدعاء، تقع على عاتق أبناء القبيلة مسؤولية جسيمة في اختيار خليفة يحمل ذات القيم والخصال التي تميز بها الأمير الراحل، ليواصل مسيرته في صون وحدة دار حمر وتماسك نسيجها الاجتماعي، وفاءً لذكراه وسيراً على نهجه الراسخ في خدمة الناس والوطن.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى