مقالات

التقارير المشبوهة… سلاح جديد ضد السودان

الحصة وطن
د. قاسم صالح

في لحظة تاريخية بالغة الخطورة، خرجت بعض المنظمات الأفريقية ومنظمات المجتمع المدني لتتناول قضايا أمنية في قوالب سياسية، محاولة أن تجعل من القضايا الإنسانية مدخلًا للتدخل في شؤون الدول. ولئن كان لتلك المنظمات الحق في رصد الأوضاع الإنسانية، فإنها لا تملك – لا قانونًا ولا أخلاقًا – أن تكون طرفًا في نزاع سياسي أو أن تنحاز تحت أي ذريعة.

لقد نصّت اتفاقية جنيف الرابعة (1949) على حماية المدنيين وقت الحرب، بينما جاءت البروتوكولات اللاحقة – وعلى رأسها البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 – لتعزز ذلك، معرفّةً الهجمات العشوائية على المدنيين أو الاستخدام المفرط للقوة ضدهم. ثم جاء تقرير الأمين العام ولجنة الخبراء عام 1993 ليؤكد أن هذه الاتفاقيات أصبحت جزءًا من القانون الإنساني الدولي العرفي، أي أنها ملزمة حتى لغير الدول الموقعة متى ما انخرطت في نزاعات مسلحة.

لكن بعض المنظمات، في تقاريرها الأخيرة، تجاوزت حدود ولايتها، وذهبت إلى اتهام القوات المسلحة السودانية بارتكاب جرائم حرب ضد المدنيين، في اتهام مجافٍ للواقع، يفتقد السند القانوني، ويخدم أجندات خارجية أكثر مما يخدم القيم الإنسانية التي تزعم الدفاع عنها. التحليل الاستراتيجي يكشف أن هذه المنظمات تتلقى تمويلات مباشرة أو غير مباشرة من دول تسعى لتأليب الرأي العام الدولي ضد السودان، وتهيئة مسرح سياسي لتبرير تدخلات أو دعم مسلحين خارج القانون. بمعنى آخر، التقارير ليست مجرد نقد، بل سلاح سياسي متقن، يستخدم لإضعاف الدولة وتشويه صورة القوات المسلحة أمام العالم، وإعطاء غطاء دولي لمليشيات مثل مليشيا دقلو الإرهابية.

القوات المسلحة السودانية – ومعها كل القوات النظامية والوحدات المساندة – ظلت ملتزمة بما نصت عليه اتفاقيات جنيف، وتعمل ضمن منظومة قيمية وأخلاقية راسخة، تجعل حماية المدنيين والممتلكات خطًا أحمر. وما أن تؤمّن القوات منطقة وتطهرها من المتمردين، حتى يعود إليها أهلها، مستقبلين جيشهم بالهتاف: جيش واحد، شعب واحد. هذه حقائق يراها الناس على الأرض، لا على الورق، وتفضح كل الادعاءات الزائفة.

أيها الشعب السوداني، لا تنطلي عليكم دعايات أجهزة المخابرات الأجنبية. فالدول التي تقدم الدعم لمليشيات خارج القانون هي جزء من المشكلة، ولن تكون يومًا جزءًا من الحل. وعلى دول الجوار أن تتحلى بالحكمة وألا تضع نفسها في خانة دعم الخارجين على القانون الدولي الإنساني، لأن ثمن تجريم القوات المسلحة ومحاولات إضعافها سيدفعه الجميع في المستقبل، وسيؤدي إلى انهيار استقرار السودان الإقليمي.

ولا بد هنا من التفريق بين الوطن والحكومة؛ فالحكومات متغيرة، أما الوطن فباقٍ. ومن يسعى إلى السلطة عبر البندقية والاغتصاب والدمار والإكراه، إنما يعجل بنهايته. الحكم الرشيد لا يُبنى إلا بالعدل والحنكة وسيادة القانون، لا بخطاب الإقصاء.

ولأن دولة الظلم لا تدوم إلا ساعة، فإن دولة القانون والعدل باقية ما بقيت الحياة.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى