
الجوار السوداني السوداني .. الأدعياء يمتنعون
تأملات
جمال عنقرة
أكثر ما ابتلي به السودان وأهل السودان علي مر العصور والأزمان الادعاءات الكاذبة، فيدعون أصولا عرقية ليست لهم خالصة، ويدعون انتماءات ليسوا فيها أصلاء، ويدعون انتصارات هي في الغالب ليست كذلك، ويدعون وطنية هي في الأصل زيف ورياء، وليتهم يقفون عند هذه الحدود، ولكنهم يتجاوزونها الي ما هو أسوأ منها بكثير، فما يدعونه لأنفسهم كذبا وزورا، يتهمون غيرهم بعكسه، وهذا هو سبب كل خلافات واختلافات وصراعات وحروب أهل السودان، وليست الحرب الملعونة القائمة الآن استثناء من ذلك، وليست هذه هي المشكلة الأكبر، المشكلة الأكبر والافظع أننا لم نستفد ولم نتعظ من كل تجارب الماضي المريرة، بما في ذلك التجربة المدمرة الماثلة بين أيدينا، فلا يزال البعض يصرون علي ممارسة الاقصاء بغير مبررات موضوعية برغم نتائجه الكارثية التي لا نزال نعاني من ويلاتها.
ولئن كان الاقصاء مبررا علي ايام الغنائم، فما هو مبرره في أزمان الحروب والأزمات، فنحن في السودان في هذا الزمان نحتاج الي تجميع صفوفنا لمواجهة ازماتنا وكوارثنا، فليس هناك مبرر لأي دعوة إقصاء، لذلك أقول أن الحوار السوداني السوداني المرتقب يجب أن يكون شاملا، ولا يقصي أحدا مهما كانت مواقفه السابقة، الا اذا رفض هو منهج ومبدا الحوار، ومثلما وقفنا أول عهد الثورة ضد دعوات إقصاء الاسلاميين ومنسوبيه وبعض شركاء الموتمر الوطني من الحوار، نقف اليوم ضد دعوة إقصاء قحت وتقدم وصمود اذا رغبوا في الحوار.
ان الحوار السوداني السوداني لن يكون شاملا ما لم يشمل كل السودانيين بلا استثناء، والحوار أصلا يكون بين المختلقين، ولا يكون بين المتفقين، والذين يرفضون مشاركة اي شخص او كيان معارض للحكومة الحالية في اي حوار، يسبحون عكس التيار الطبيعي، ولعلهم لا يزالون أسري لمشروعات الحوار السابقة التي كان الهدف منها المشاركة في الحكم، وهي بالطبع غير الحوار المرتقب الذي يرجي منه وضع أسس جديدة للمواطنة تقوم علي الحقوق والواجبات، وليس المطلوب منه قسمة السلطة بين شركاء الحوار، ومثل هذا الحوار تتسع فرص نجاحه كلما اتسعت نسب المشاركة فيه، ومشاركة المعارضين فيه أهم من مشاركة الموالين، ولذلك ظللنا ندعو الرئيس البرهان شخصيا لقيادة مبادرة هذا الحوار، ويعهد بقيادته المباشرة لنائبه في رئاسة مجلس السيادة السيد مالك عقار، فهو الأقدر علي ذلك وأكفأ من يقوده، وهو ليس لديه أي أطماع شخصية، علي عكس ادعياء الوطنية الذين يتاجرون، وهؤلاء هم الذين يرفضون مشاركة المعارضين في الحوار، ويزعمون أن الحوار يجب أن يكون وقفا علي شركاء معركة الكرامة.
وبمناسبة معركة الكرامة فان أكثر أدعياء مساندة الجيش في معركة الكرامة من الحزبيين، أكثرهم ادعاءاتهم كاذبة، وأقول بالفم المليان أنه لا يوجد كيان سياسي أو حركي يقف وقوفا حقيقيا مع القوات المسلحة غير الحركة الشعبية الجبهة الثورية بقيادة الفريق مالك عقار، وحركات الكفاح المسلح الوطنية، والحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني اللذين يقودهما المجاهدان علي كرتي وأحمد هارون، وهؤلاء جميعا يقاتلون دفاعا عن الوطن، وليس دفاعا عن نظام أو شراكة حكم في نظام، وهؤلاء جميعا لا يدعون انً لهم فضل او ميزة علي غيرهم من أهل السودان، أما أدعياء الولاء الآخرون فان وقوفهم مع الجيش في معركة الكرامة، وقوف لا قيمة لهم، فهم لا تقدمون ولا يؤخرون، وهم كل علي مولاهم، أينما يوجّهوا لا بأتون بخير، ودعمهم الجيش لا يتجاوز هتافات، ومسيرات مدفوعة الثمن، وصور تذكارية لا تسمن ولا تغني من جوع.