
تأملات
جمال عنقرة
قد يبدو صحيحيا أني لم أفصل في المقال الأخير القوي التي تحكم في مرحلة التأسيس، والقوي التي تشارك في العملية السياسية التي تؤسس للسودان الحديث، ذلك أني كنت قد كنت قد كتبت في ذلك أكثر من مقال فصلت فيها تفصيلا دقيقا، قد يكون بعضه غير مطلوب، ولكن ما دام الناس يحبون التفصيل، فلا مانع عندي من فعل ذلك، ولا أخشي الخوض في التفاصيل التي قيل قديما أنها مكامن الشيطان، وما دامت هي كذلك دعونا نلج إلى أدقها ونسأل الله أن يعيننا علي كل شياطين الإنس والجن في بلدنا.
قلت وأقول أنني مع الرأى الذي يقول أن المرحلة القامة هي مرحلة إعادة تأسيس وبناء للسودان وليست مرحلة انتقالية، وأميل إلى الرأي الذي يقول أنها يجب ألا تقل عن دورة حكم انتخابي، أي لا تقل عن أربعة أعوام، وأقول يكون الحكم فيها مدنيا لشركاء معركة الكرامة وحدهم دون أحد سواهم، وفي هذا أفصل ما ذكرته من قبل.
أولا شركاء معركة الكرامة هم القوات المسلحة، والقوات النظامية الأخري، وأطراف سلام جوبا الذين انحازوا للقوات المسلحة وشاركوها القتال ضد مليشيا الغزو والعدوان، والمجاهدون من القوات الخاصة، وكل الذين نفروا مقاتلين دفاعا عن العرض والأرض والنفس والمال والولد، وكل جماهير الشعب السوداني التي هتفت “شعب واحد جيش واحد” ومن رموز وقيادات هؤلاء تتشكل أجهزة حكومة التأسيس المدنية من أعلاها إلى أدناها، بطولها وعرضها، والمقترح كالآتي
يتم حل مجلس السيادة الحالي ويعاد تشكيله مجلسا مدنيا كامل الدسم يكون المشير عبد الفتاح البرهان رئيسا لمجلس السيادة وقائد أعلي للقوات المسلحة بالزي المدني، ويبقي معه السيد مالك عقار نائبا لرئيس مجلس السيادة ورئيسا لمجلس الوزراء مثلما كان السيد بابكر عوض الله في مايو ١٩٦٩م، ويضاف إليهما ستة أعضاء يمثلون أقاليم السودان الستة القديمة الشرق والشمال وكردفان ودارفور والوسط والخرطوم،
شركاء معركة الذين كانوا في القيادة نقترح توزيعهم حسب مقدراتهم، وتخصصاتهم، علي النحو التالي، الفريق أول ركن شمس الدين كباشي وزيرا للدفاع وقائد عام للقوات المسلحة الفريق أول ركن ياسر العطا رئيسا لهيئة الأركان، الفريق مهندس مستشار إبراهيم جابر وزيرا للإستثمار، السيد عبد الله يحي وزيرا للطرق والجسور، السيد صلاح رصاص وزيرا للنقل، الدكتور جبريل إبراهيم وزيرا للمالية، القائد منى اركو مناوي حاكما لاقليم دارفور، الفريق أول أحمد إبراهيم مفضل مديرا لجهاز الأمن والمخابرات
بقية الوزارات تسند إلى كفاءات وخبرات علمية وعملية مميزة، أما بالنسبة لولاة الولايات فيتم اختيارهم من الضباط الإداريين والضباط النظاميين المتقاعدين حسب طبيعة كل ولاية.
يتم فك تجميد الهيئات النقابية واعتبار المكاتب التنفيذية الحالية لجان تسيير إلى فترة محددة يتم تحديدها تجري بعدها انتخابات لاختيار مكاتب تنفيذية حسب النظام الأساسي
يتم تشكيل جميعية تاسيسية تضم ممثلين لكل أهل السودان، الإدارة الأهلية، الطرق الصوفية، الجماعات الإسلامية الأخري، غير المسلمين، المهنيين، المزارعين، العمال، الرعاة، المغتربين، النساء، الشباب والطلاب، وغيرهم من كل ولايات السودان
العملية السياسية تكون شاملة لكل القوي السياسية السودانية التي ترتضي الحل السلمي، ولا استثناء في ذلك لأحد، لا سيما قوي الحرية والتغيير، والاسلاميين، ولقد حرصت علي الاشارة إلى هؤلاء وأولئك لوجود دعوات غير موضوعية لعزلهم، فكثيرون يدعون لعزل قحت وتقدم لأنهم حرضوا المليشا علي القتال، وناصروها، ونصروها، وأقول لهؤلاء أن قوي سياسية وطنية قبل ذلك خرجت علي الحكومة واستعانت بدول أخري كانت بينها وبيننا عداوات، قدمت لها الدعم المالي والسلاح، والدعم اللوجستي والسياسي والاعلامي،
وغزت السودان وقاتلت القوات المسلحة، وقتلت منها، وحدث ذلك يوليو ١٩٧٦م في الانتفاضة الشعبية المسلحة التي عرفت بعملية المرتزقة التي نفذتها الجبهة الوطنية التي كانت تتكون من حزب الأمة والحزب الاتحادي الديمقراطي والحركة الإسلامية، وبعد أقل من عام التقي الرئيس نميري رئيس الجبهة الوطنية السيد الصادق المهدي في البحر الأحمر في بورتسودان وتمت المصالحة الوطنية، وعفا عنه وعن كل المحكومين وأشركهم في الحكم، وحدث مرة ثانية مايو ٢٠٠٨م عندما اجتاحت قوات حركة العدل والمساواة العاصمة الوطنية أم درمان في عملية الذراع الطويلة، وبعد أقل من عام دخلت الحكومة في مفاوضات مع الحركة في الدوحة، انتهت باتفاق سلام اطلق بموجبه سراح كل الذين كان قد حكم عليهم بالإعدام عدا الأخ الفريق إبراهيم الماظ، وقبل هذا وذاك بين أيدينا المثال الاشمخ للرسول القدوة السراج المنير، مشهد دخوله صلي الله عليه وسلم مكة منتصرا بجيوش ليس لأهل قريش قبل بها، فسالهم وهم جلوس منكسرين “ماذا تظنون أني فاعل بكم” فقالوا “أخ كريم ابن أخ كريم” فكان رده الأكرم “اذهبوا فأنتم طلقاء” فجاء النصر والفتح ودخلوا في دين الله أفواجا،
وبهذا نرد أي دعوة لعزل قحت أو تقدم من العملية السياسية المقبلة،
أما القول بعزل الاسلاميين والكيزان من العملية السياسية بادعاء أنهم قد أشعلوا نار الحرب فهو زعم أوهن من سابقه، وكما يقول صديقنا الشهيد محمد طه محمد أحمد أن راعي الغنم في الخلاء يعرف من أشعل نار الحرب، أما قتال الاسلاميين في معركة الكرامة فهذا محراهم، وهذا تاريخهم، وسجلهم في هذا ناصع لا يقاربهم فيه أحد، فعندما أسقط الشيوعيون حكومة الديمقراطية الثانية ودعا الإمام الهادي يرحمه الله إلى الهجرة للجزيرة أبا لم يجد من السياسيين غير الاسلاميين يلبي نداء الجهاد فهاجر إليه الوزير الأستاذ الجامعي الدكتور محمد صالح عمر، وهاجر الشيخ الداعية محمد محمد صادق الكاروري، وهاجر المثقف المفوه خريج جامعة الخرطوم الأستاذ مهدي إبراهيم محمد، وهاجر طالب الثانوي عبد المطلب بابكر “طلب” ولما أراد الإمام الهجرة الى الحبشة قاد الشهيد محمد صالح عمر عملية استشهادية لتغطية خروج الإمام لهما الرحمة والمغفرة.
ولما قررت الجبهة الوطنية نزال نظام مايو عسكريا، واستجلب الآخرون مقاتلين من الأطراف قدمت الجبهة خيرة شبابها طلاب وخريجي جامعة الخرطوم بقيادة الشيخ المجاهد إبراهيم السنوسي، وكان منهم علي كرتي وغازي صلاح الدين والشهيد محمود شريف، والشهيد عبد الإله خوجلي والشهيد عبد الله ميرغني والشهيد حسن سليمان وعلي خضر وغيرهم، لذلك عندما دخل نميري دار الهاتف بكي، وقال وجدنا فلذات أكبادنا طلاب جامعة الخرطوم، فالذين يقولون بعزل الاسلاميين من العملية السياسية لا يملكون هذا الحق، ثم أن العملية السياسية لن يكتب لها النجاح اذا استثنت أحدا، فكيف اذا استثنت أفعل الفاعلين، ومهما اتفق الناس أو اتفقوا مع الكيزان وقحت فلا توجد مقارنة بينهم وبين خصومهم، فمهما يقال عن قلة عدد أحزاب قحت وتقدم فإن آثارهم الخارجية الاقليميمة والدولية عشرات أضعاف الأحزاب الموالية للحكومة، أما الكيزان فلا يوجد وجه مقارنة بين أدائهم العسكري وأداء أدعياء نصرة الحكومة والجيش الذين لا تتجاوز نصرة أكثرهم حلاقيميهم، وبينما يتنقل مقاتلو الاسلاميين بين ساحات القتال، يرابط الآخرون في بورتسودان، وهؤلاء لا أقول لا يجوز عزلهم، ولكن لن يقدر أحد علي عزلهم، وهم أصلا لا يضايقون أحد، ولا ينافسون أحد، لأنهم قد حسموا أمرهم واتخذوا قرارهم بعدم المشاركة في أي مستوي من مستويات الحكم قبل قيام انتخابات، ولعلهم أرادوا بذلك منح أنفسهم فرصة كاملة لمراجعة تجاربهم السابقة، لا سيما تجربة الإنقاذ.
أعتقد أن الحكومة قد اتخذت قرارا موفقا باحالة الأمير عبد الرحمن الصادق المهدي إلى التقاعد لتسند له ملف العملية السياسية، فهو خير من يقوم بذلك، وهو مقبول للجميع، ومبذول لهم جميعا،