الأعمدةتأملات

الحوار مع قحت وتقدم .. وحواضن المليشيا

تأملات
جمال عنقرة

وعدت في ختام مقال الأمس الذي كان عن الحوار مع دولة الإمارات المحاربة لبلدنا وشعبنا، وعدت ان اكتب عن الحوار مع القوي السياسية والحزبية والحركات المسلحة التي تحالفت مع المليشيا ودعمتها وساندتها في حربها ضد الوطن والمواطنين، وكذلك الحوار مع الحواضن الجهوية والقبلية لمليشيا الدعم السريع، ولكن قبل الدخول في الحديث عن حق الحوار مع هؤلاء، لا بد ان اعبر عن سعادتي البالغة باستحسان عدد كبير من الأصدقاء ومن رموز مجتمعية وقيادات سياسية وفكرية لما طرحت بالأمس من دعوة للدخول في حوار مع دولة الإمارات، بصورة مباشرة او غير مباشرة، مباشرا او عبر وسيط مامون وموثوق، ومبعث سعادتي ليس قبول واستحسان فكرتي، ولكن الذي اسعدني اكثر ان السودانيين تجاوزوا محطة العواطف التي كانت تحكمهم وتتحكم فيهم، وصاروا يزنون الأشياء بموازين العقل والمنطق، وهذه مراجعات مهمة لا بد منها ونحن نستشرف عهدا جديدا نعيد فيه بناء وتأسيس بلدنا علي هدي من القيم والثوابت الراكزة تهيؤنا لانطلاق تاخر كثيرا بسبب الحري وراء سراب الأوهام والأحلام الشاطحة.
وموضوع اليوم في تقديري اهم بكثير من قضية الأمس، فلئن كان مقال الأمس بخصوص حوار مع عدو مباشر من باب الطعن في الفيل لا في ظله، فان مقال اليوم خاص بترتيب البيت السوداني من الداخل، ومعلوم انً البيت السوداني كان علي الدوام (مخلعا ومشلعا) فالسودانيون ظلوا يعيشون علي اوهام وادعاءات كاذبة، شقت صفهم، وشتت شملهم، فظلوا يتجاوزون ما يجمعهم ويحيون ما يفرقهم، وليس هناك شئ يجمعهم سوي السودانوية، لكنهم يحطون من قدرها، ويطلبون العز في عروبة او افريقانية، او شرف مزعوم بلا اصل ولا فصل، وحتي ان وجد اصله، وعرف فصله، فهو لا يقرّبنا الي اصحاب الانتماء الأصيل، فيكون مصيرنا مثل مصير جرجس (لا محمد سمع بيك ولا المسيح راضي عليك)
والمشكلة الأكبر ان السودانيين يصطحبون هذا الادعاءات الكاذبة الي حياتهم العامة، ومنها واهمها الحياة السياسية، فنحن اكثر شعب يمارس الإقصاء في السياسة والحكم، وكل الانتكاسات الكبيرة حدثت بسبب الإقصاء، فالثورة المهدية التي تعتبر من اعظم الثورات الوطنية التحررية، هزمها الإقصاء والإقصاء المضاد، وذات السودانيين الذين قاتلوا مع الامام المهدي لتحرير السودان، قاتلوا مع كتشنر واسقطوا دولة المهدية، حرب الجنوب التي تعتبر اطول واعنف حرب اهلية سببها الإقصاء، حتي فصل الجنوب تم بسبب عدم قبول بعضنا بعضا استنادا علي الادعاءات الكادبة، كل الانقلابات التي حدثت في السودان كانت بسبب الإقصاء، نظام الإنقاذ أسقطه الإقصاء، وثورة ديسمبر افشلها الإقصاء، وحتي حرب أبريل الملعونة سببها الإقصاء، فهل نسمح لهذه الحالة البغيضة ان تحكمنا وتتحكم فينا الي الأبد.
لقد ان الأوان لنضع نقطة ونفتح صفحة جديدة، وأيام النصر هذه شبيهة بيوم نصر الله الكبير لرسوله العظيم صلى الله عليه وسلم، يوم ان دخل مكة فاتحا بجيوش وصفها ابو سفيان لأهل قريش بانها (لا قبل لكم بها) فلم يجدوا غير انً يجلسوا علي الأرض صاغرين منكسرين، ويسألهم الرسول صلي الله عليه وسلم سؤالا مفتاحيا (ماذا تظنون أني فاعل بكم) فردوا عليه بما عندوا عنه (أخ كريم ابن أخ كريم) فكان عند حسن ظنهم (اذهبوا فأنتم طلقاء) ثم أردف لهم (من دخل البيت فهو امن، ومن دخل دار ابي سفيان فهو آمن)
والقطيعة والإقصاء والحرب التي يبشر بها البعض ضد الذين وقفوا موقفا غير الموقف الشريف، ليست من السنة، ولا هي كذلك من عادات وتقاليد أهل السودان الراسخة، ودائما ما يحضرني في مثل هذه المواقف موقف الرئيس نميري له الرحمة والمغفرة من الجبهة الوطنية التي قادت ضده انتفاضة عسكرية مسلحة يوم الجمعة الثاني من شهر يوليو عام ١٩٧٦م وكان قاب قوسين او ادني من لقاء حتفه، لولا ان الله نجاه في آخر لحظة، ومع ذلك ما أن عرض عليه السيد فتح الرحمن البشير مصالحة الجبهة الوطنية لم يتردد لحظة وكان ان أحزنه كثيرا استشهاد عدد من طلاب جامعة الخرطوم، فلما دخل دار الهاتف قال (أحزنني كثيرا انً الذين قتلوا هم فلذات أكبادنا طلاب جامعة الخرطوم، وذات موقف الرئيس نميري كان موقف الامام الصادق المهدي لهما الرحمة والمغفرة، فلما عرض عليه السيد فتح الرحمن البشير لقاء نميري، لم يتردد، ولم يطلب ارضاً محايدة، وإنما جاء والتقي نميري في البحر الأحمر في بورتسودان وهو محكوم عليه بالإعدام.
اخواننا في قحت، ومن بعدهم تقدم، وقفوا مواقف قبيحة ومخزية بمناصرتهم للمليشيا، وبعضهم دفعوا الجنجا للتمرد وحمل السلاح بزعم فرض الاتفاق الإطاري، ولكن هذا الموقف القبيح يجب الا ينسينا حقوق اخواننا علينا، والمطلوب إعانتهم علي الشيطان وليس اعانة الشيطان عليهم، لهذا يجب أن نمهد لهم طريق العودة الي ارض الوطن، لنبدأ معا صفحة جديدة نرسم فيها ملامح وطن يسعنا جميعا بلا عزل ولا إقصاء.
اما بالنسبة لبعض المناطق والقبائل التي وقف بعض أبنائها مع الدعم السريع فمعلوم انه (لا تزر وازرة وزر أخرى) وكما هو معلوم ليست هناك قبيلة او منطقة اجتمع ابناؤها وقرروا الوقوف مع الدعم السريع، رغم وجود عمد ونظار وقيادات ادارة أهلية وقفوا هذه المواقف القبيحة، ولكن في المقابل هناك حالات ترفع لها القبعات، مثل الاخ الصادق الرزيقي، واللواء الخير ابو مريدات، والزعيم الضيف عيسي عليو، والمجاهد احمد الصالح صلوحة، والشهيد محمد ود أبوك، والحبيب سلمان سليمان الصافي، واخواني الفهيم اخوان الخير وعبد الرحمن، والقائمة تطول وتطول، وليس هناك أي مبرر قانوني او دستوري او اخلاقي يحاكم الإنسان بجرائر غيره، فعلي الرئيس البرهان شخصيا يقع عبء قيادة المجتمع السوداني الي حالة التصاقي والتعافي، فليجدد كل صباح العفو عن كل من يضع السلاح، او يغير موقفه لصالح الموقف الوطني، وسيكون في ذلك نصر وعز، ووحدة صف ما أحوجنا لها ونحن نتلمس طريقا لإعادة بناء انفسنا قبل بيوتنا وممتلكاتنا التي خربت ونهبت، وبالله التوفيق والسداد.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى