
شئ للوطن
م.صلاح غريبة – مصر
Ghariba2013@gmail.com
لقد فرضت ويلات الحرب على شعبنا أن يترك دياره، متجهاً إلى بقاع آمنة، وكانت جمهورية مصر العربية، الشقيقة الكبرى، هي الملاذ الأول والملجأ الكريم لآلاف السودانيين. وبقدر امتناننا لكرم ضيافتها وعظيم إخاء أهلها، يبقى القلب معلقاً بالوطن، والعين ترقب بشغف بزوغ فجر التعافي لمدينتنا الحبيبة الخرطوم.
إن الوقت قد حان ليس فقط للترقب، بل للتحضير والاستعداد. إننا نتوجه بهذا النداء إلى إخوتنا وأخواتنا السودانيين المتواجدين بمصر لظروف الحرب: استعدوا للعودة، فالوطن ينتظركم، وجهود إعادة بناء بيئته قد دخلت مرحلة التكثيف الفعلي.
أن الدولة تسير بخطوات جادة ومدروسة نحو تهيئة البيئة اللازمة للعودة الكريمة. وبتوجيهات مباشرة من عضو مجلس السيادة الانتقالي ومساعد القائد العام، الفريق مهندس إبراهيم جابر إبراهيم، تم توجيه اللجنة العليا لتهيئة البيئة لعودة المواطنين إلى ولاية الخرطوم بضرورة تكثيف الجهود في القطاعات الحيوية كافة. هذا التكثيف يستهدف إنجاز الأعمال المتبقية في الكهرباء والمياه والصحة وإصحاح البيئة، وهي العوامل الأساسية التي لا يقوم وطن إلا بها.
ولم تقف التوجيهات عند حد إصلاح المرافق، بل امتدت لتشمل بناء النظام المالي لولاية الخرطوم، واعتماد نظام التحصيل والسداد الإلكتروني تحقيقاً للشمول المالي، وهذا مؤشر بالغ الأهمية على العزم في استعادة الأداء المؤسسي للدولة بكامل طاقتها. كما لم يغب عن المشهد دور القطاع الخاص، حيث أشاد الفريق جابر برغبة اتحاد أصحاب العمل في المساهمة الفاعلة عبر استجلاب محولات كهربائية وتوفير آليات نقل النفايات، وهو تكاتف وطني مطلوب في هذه المرحلة المفصلية. إن التزام وزارة المالية الاتحادي، ممثلة في وزيرها د. جبريل إبراهيم، بتغطية جميع تكاليف العودة الكريمة، يمثل ضمانة إضافية لجدية هذا المسعى.
إن هذه الجهود الرسمية والشعبية هي بمثابة الضوء الأخضر لجميع من تترقب نفوسهم العودة. عودتكم ليست مجرد انتقال شخصي، بل هي إضافة نوعية للحراك الاقتصادي والاجتماعي اللازم لدعم التعافي.
وفي خضم هذه الدعوات الوطنية، لا يسعنا إلا أن نرفع أسمى آيات الشكر والتقدير لـ “مبادرة العودة الطوعية” الخاصة بمنظومة الصناعات الدفاعية. لقد مثلت هذه المبادرة نموذجاً يحتذى به في الحس الوطني والمسؤولية المجتمعية، من خلال تسخير الإمكانيات لدعم عودة المواطنين وتثبيت أقدامهم في ديارهم. إن دوركم يمثل ركناً أساسياً في إسناد الجهد الرسمي، ونجاحكم هو حجر الزاوية في بناء ثقة المواطن بقدرة مؤسساته الوطنية.
إننا ندعوهم؛ اي المنظومة بإلحاح إلى مواصلة مشوارهم المبارك في هذه المبادرة، والاستمرار في دعم الفئات المتضررة والمساعدة في تذليل العقبات اللوجستية، حتى تعم الفائدة وتشمل جميع الأحياء والقرى. إن منسوبي منظومة الصناعات الدفاعية، وهم يقدمون هذا الدعم، يثبتون أن واجبهم يتجاوز حدود الدفاع العسكري إلى الدفاع عن نسيج الوطن الاجتماعي والخدمي.
الخرطوم تنادي، وقد بدأت ترتدي ثوب العافية شيئاً فشيئاً. إن عودة السودانيين من مصر وغيرها من المنافي هي استكمال جهود الإعمار. فليس هناك من يعمر البلاد خيراً من أهلها. الوطن يحتاج إلى كفاءاتكم، وأموالكم، وقبل كل شيء، إلى عزيمتكم الصادقة. لنجعل من هذا الاستعداد للعودة عملاً وطنياً شاملاً، نعيد به لبلادنا ألقها ونمضي نحو سودان يتعافى بجهد أبنائه.