
الضرورة تقتضي فض الاشتباك فوراً بين المجلس الأعلى للحج والعمرة ووزارة الشؤون الدينية والأوقاف
أن تكون كالعلاقة بين مجلس التخصصات الطبية ووزارة الصحة الاتحادية
كتب/ عبد اللطيف السيدح
*يمر ملف الحج في السودان خلال هذا العام بمنعطف دقيق يستوجب من الدولة أعلى درجات الحزم واليقظة، خصوصاً بعد عملية التسليم والتسلم الرسمية التي جرت بين الأمين العام للمجلس الأعلى للحج والعمرة السابق الأستاذ سامي الرشيد أحمد وخلفه الأستاذ عبد الله السعيد، الذي نال ثقة رئيس مجلس الوزراء في توقيت حرج للغاية، جاء في ظروف استثنائية تقتضي العمل السريع والدقيق للحاق بموسم حج 1447 هجرية، فالموسم بدأ بالفعل، والتحضيرات الزمنية التي وضعتها وزارة الحج والعمرة السعودية تسير في طريقها، بينما يقف السودان أمام تحدي الزمن، والصراع الداخلي، ومحاولات شد الأطراف التي أرهقت هذا الملف الحيوي في السنوات الأخيرة ولأنّ اختيار عبد الله السعيد لم يكن اختياراً عادياً أو شكلياً، بل كان ضرورة اقتضاها الواقع المتوتر الذي يهدد سلامة ترتيبات الحج، بعد النزاع غير المبرر الذي نشب بين جهات تضررت مصالحها المباشرة، فسعت لخلط الأوراق وخلق بؤر توتر، وكلّها محاولات تستهدف إعادة إنتاج ذات الممارسات التي عطلت أداء المؤسسات وأربكت سير العمل، في وقت يحتاج فيه الملف إلى قيادة مستقلة، واضحة الصلاحيات، بعيدة عن التجاذبات ومحاولات الاستحواذ، ومع أن عملية التسليم والتسلم تؤشر عادة إلى نهاية الصراع وبداية مرحلة جديدة أكثر استقراراً، إلا أن ما حدث بعد ذلك جاء صادماً ومخيباً للآمال؛ إذ سارعت وزارة الشؤون الدينية والأوقاف، بقيادة وزيرها بشير هارون، إلى كف يد الأمين العام الجديد عن مباشرة مهامه، في خطوة لا تستقيم مع الأعراف الإدارية ولا مع طبيعة الجهاز التنفيذي، ولا حتى مع مقتضيات المرحلة الحرجة التي يمر بها السودان فيما* *يخص ترتيبات الحج والعمرة. فالأمين العام ليس موظفاً عادياً، ولا تابعاً لوزارة الشؤون الدينية والأوقاف، بل هو مسؤول بحكم القانون يتبع مباشرة لرئيس مجلس الوزراء، وله صلاحيات منصوص عليها بوضوح في قانون المجلس الأعلى للحج والعمرة، وهي صلاحيات لا يجوز لأي جهة تجاوزها أو التغول عليها تحت أي مبرر، فالمصفوفة الزمنية الموضوعة من قبل وزارة الحج والعمرة السعودية، التي لازالت تبدي فيها مرونة استثنائية مراعاة للظروف التي تمر بها بلادنا، لم تعد تحتمل المزيد من التباطؤ أو تعطيل الإجراءات. وليس من المقبول أبداً أن يأتي التعطيل من الداخل، من وزارة يفترض بها دعم الملف لا حصاره، ومساندة الأمين العام لا تعطيل انطلاقته ، وحرمان حجاج السودان من اللحاق بموسم هذا العام بسبب الصراعات الإدارية سيُنتج فشلاً إدارياً وأخلاقياً تتحمله كل جهة تتسبب فيه، ولأن الحج ليس ملفاً قابلاً للمساومة، بل هو ركنٌ من أركان الإسلام، وحقٌّ لآلاف المواطنين الذين ينتظرون بفارغ الصبر الوصول إلى الديار المقدسة لأداء الفريضة القانون الذي ينظم عمل المجلس الأعلى للحج والعمرة واضح كل الوضوح في تحديد تبعية المجلس وصلاحيات أمينه العام، حيث يتبع المجلس مباشرة لرئيس مجلس الوزراء، وتناط بالأمين العام إدارة الملف بالكامل، واتخاذ القرارات المتعلقة بترتيبات الحج، والإشراف على اللجان، والتوقيع على العقود، ومتابعة الملفات الفنية والمالية، وتحديد الوفود، واعتماد الترتيبات المتعلقة بالإسكان والإطعام والنقل، إلى جانب التنسيق المباشر مع وزارة الحج والعمرة السعودية. وهذا الترتيب القانوني لم يأت من فراغ، بل تم وضعه لإبعاد الحج عن المناكفات الإدارية و سلحفائية البيروقراطية ولتجنيبه مآزق التضارب في الصلاحيات التي تسببت في هذه الكوارث منذ لحظة إعفاء الأمين العام السابق، وما يحدث الآن يؤكد بجلاء أن هناك تغولاً صريحاً على قانون المجلس من قبل وزير الشؤون الدينية والأوقاف، الذي يسعى للهيمنة على الملف عبر كف يد الأمين العام، وهو أمر لا يستقيم لا قانوناً ولا إدارياً، ويُعد تجاوزاً على السلطة، بل واعتداء على اختصاصات واضحة ومحددة بالنص، مما يفتح الباب لخلط الصلاحيات، وإدخال الملف في نفق مظلم قد يُفضي لفشل موسم الحج كاملاً. واستمرار هذا الاشتباك بين القانون والتغول، سيعيد إنتاج الأزمة كل عام، طالما ، ظلت الجهات المتضررة من استقلال المجلس تضع العراقيل وتتبرع بالتوجيهات* *خارج إطار صلاحياتها لقد بات واضحاً أن التدخل الحاسم من الجهات العليا في الدولة لم يعد خياراً، بل أصبح ضرورة وطنية وأخلاقية تفرضها اللحظة الراهنة فالصراع إذا لم يُحسم فوراً، وبقرار شجاع وواضح وفقاً للقانون، سيقود إلى نتائج كارثية على المستوى الرسمي* *والشعبي وما يفترض أن يحدث الآن هو إعادة الأمور إلى نصابها* *الطبيعي، وإطلاق يد الأمين العام المعين من أعلى جهة تنفيذية في الدولة وفق القانون لمباشرة مهامه دون تدخل أو تعطيل، أو اتخاذ الإجراءات التي تكفل حماية القانون من العبث، حتى لو أدى الأمر لإعفاء كل من يقف عائقاً أمام سير ترتيبات الحج ، لأن هيبة الدولة تُقاس بمدى احترام مؤسساتها للقوانين التي تضعها*، *وإذا استمرأت وزارة الشؤون الدينية* والأوقاف عمليات السطو على ملف لا يتبع لها ومحاولة فرض رؤيتها على اختصاصات مجلس ليس من صلاحياتها سيبعث برسائل خاطئة داخلياً وخارجياً، مفادها أن الصراع مقدم على المصلحة الوطنية، وأن النزاع على السلطة أهم من خدمة الحجاج وهي صورة لا تليق بدولة مثل السودان أن تظهر بها في هذا التوقيت العصيب
وملف الحج أكبر من الأشخاص، وأسمى من حسابات المصالح، وأرفع من الصراعات الإدارية هو ملف متعلق بحق المواطنين في أداء ركن من أركان الإسلام، وبسمعة الوطن أمام الدولة المنظمة للحج التي فتحت أبوابها ووسعت صدرها تقديراً لظروفنا ، ولا يجوز بأي حال من الأحوال أن نبادل هذا الكرم بالتقصير أو الفوضى ،أو تغوّل جهة على أخرى. فاللحظة ليست لحظة مكاسب شخصية، بل لحظة مسؤولية تاريخية تتطلب من جميع ، الأطراف احترام القانون، وتمكين الأمين العام من أداء واجبه، وإبعاد وزارة الشؤون الدينية من دائرة التأثير على ملف لا يدخل ضمن صلاحياتها، وعلى القيادة العليا في الدولة أن تدرك أن أي تأخير في الحسم سيترتب عليه ثمن فادح، وأن المخرج الوحيد من هذه الأزمة قرار إداري حازم وواضح يعيد الأمور إلى نصوص القانون، ويُنهي حالة الاشتباك التي لم تجلب سوى الخسائر فإما أن يُحترم قانون المجلس الأعلى للحج والعمرة، أو تُعاد صياغة المشهد بإعفاء من يتسبب في هذا الاضطراب المستمر. وفي كل الأحوال لن يُكتب النجاح لموسم الحج ما لم يتم تمكين الجهة التنفيذية صاحبة الحق من إدارة الملف* *دون تدخل أو تجاذب*
*لأن وطننا اليوم أمام اختبار حقيقي إما أن ينتصر للقانون*
*أو يسمح باستمرار العبث. وإما أن تحمى حقوق الحجاج ويصان ركنهم الخامس أو يترك الملف ليعبث به أصحاب المصالح وإما أن تصدر قرارات شجاعة تُعيد الهيبة للمؤسسات، أو يظل أسير الصراعات بين المسؤولين وما نرجوه وما ينتظره الحجاج هو أن ينتصر العقل، وأن تنتصر الدولة لحق مواطنيها في عبادة الله، وأن يتم فضّ هذا الاشتباك فوراً قبل أن تخرج الأمور عن السيطرة، فالحج لا ينتظر أحداً، والمواسم لا تعود إن ضاعت والمسؤولية أمام الله والشعب والتاريخ لا تُسقطها المبررات ولا التعللات*.