
الفاشر أمام العدالة الدولية ماذا يعني قرار مجلس حقوق الإنسان وما الذي يجب أن يحدث الآن؟
الاعداد : مصدر خاص
بعد أشهر من القتل الجماعي، والاغتصاب الواسع، والحصار الخانق الذي فرضته مليشيات الدعم السريع على مدينة الفاشر وما حولها، تحرّك المجتمع الدولي أخيراً باتجاه خطوة رسمية لها وزن قانوني وسياسي.
فقد عقد مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان جلسة طارئة خاصة حول الوضع في الفاشر، وانتهى باعتماد مقدمة من ستة عشر فقرة، يتبعها ثمانية عشر قراراً، كلّها تدين بصورة واضحة الجرائم والانتهاكات المرتكبة على يد مليشيات الدعم السريع والقوات المتحالفة معها.
هذا القرار، رغم أنه لا يمنح مجلس حقوق الإنسان سلطة تنفيذية مباشرة، لكنه يمثل نقطة تحوّل مهمة في مسار توثيق الجرائم وملاحقة مرتكبيها وتجفيف الدعم عنهم. وهو خطوة كان ينتظرها آلاف الضحايا والناجين، ومئات الآلاف ممن وجدوا أنفسهم بين لهيب الحصار ونيران الهجمات العشوائية.
أولاً: لماذا تُعد جلسة مجلس حقوق الإنسان حول الفاشر حدثاً غير عادي؟
ذلك لان الاجتماعات الطارئة للمجلس لا تُعقد إلا عند وقوع جرائم أو انتهاكات ترى الدول الأعضاء أنها “خطيرة بشكل استثنائي” وتتطلب تحركاً سريعاً.
وبالنظر إلى ما جرى في الفاشر — من قتل على أساس عرقي، واغتصاب جماعي ممنهج، وقصف المستشفى السعودي، وتهجير واسع للسكان — فقد توافرت جميع الأسباب التي تدفع المجتمع الدولي للتحرك.
فهذه ليست أحداثاً عابرة، بل واحدة من أسوأ الجرائم الجماعية التي شهدتها دارفور منذ عام 2003.
إن تخصيص جلسة كاملة للفاشر يعني أن ما حدث هناك تجاوز مرحلة الشكوك أو الاتهامات الإعلامية، ودخل مرحلة “التثبيت الأممي”. أي أن الجرائم أصبحت الآن جزءاً من سجلات الأمم المتحدة، ما يفتح الباب لمساءلة دولية حقيقية.
ثانياً: جوهر القرار وما الذي يميزه؟
خرج المجلس بثمانية عشر قراراً، يمكن تلخيص أهمها في ثلاثة محاور رئيسية:
1) إدانة صريحة وواضحة لجرائم مليشيات الدعم السريع
لم يكتف القرار بلغة مبهمة أو محايدة، بل أشار بالاسم إلى مليشيات الدعم السريع بوصفها الجهة الرئيسية المسؤولة عن الانتهاكات في الفاشر وما حولها.
و الإدانة شملت:
#القتل الجماعي
#الإعدامات الميدانية
#الاغتصاب والعنف الجنسي كسلاح حرب
#استهداف المستشفيات وعلى رأسها المستشفى السعودي
#تهجير المدنيين، ونهب الأحياء، وتدمير الممتلكات
وهذا الوضوح ليس تفصيلاً بسيطاً؛ بل هو ما يجعل القرار ذا قيمة قانونية يمكن البناء عليها لاحقاً في إجراءات جنائية دولية.
2) تكليف “بعثة تقصي الحقائق الدولية” بتحقيق عاجل في جرائم الفاشر
القرار لم يكن مجرد إدانة؛ بل طلب من بعثة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة :
1/ ان تحقق بشكل عاجل في جرائم الفاشر
2/ تحديد المسؤولين عنها
3/ تجميع الأدلة والمحافظة عليها
4/ تقديم تقريراً مفصلاً للمجلس في دورته القادمة
هذا يعني أن ملف الفاشر أصبح ملفاً مفتوحاً داخل الأمم المتحدة، سيجري تناوله بشكل دوري وعلني، وسيكون أي تقاعس أو تعطيل محل نقد دولي مباشر.
3) الدعوة إلى وقف تدفق السلاح والمقاتلين إلى المليشيات
في خطوة بالغة الأهمية، أشار القرار — ضمنياً وصراحة في مداخلات بعض الدول — إلى ضرورة وقف تدفق السلاح والمقاتلين إلى السودان، خاصة إذا كان ذلك يسهم في ارتكاب جرائم جسيمة.
وهذه نقطة محورية، لأنها:
# تمنح الدول الراغبة في فرض عقوبات أساساً قانونياً واضحاً
# تسمح بتحريك ملفات داخل البرلمانات الوطنية لتجميد صادرات السلاح
# تضغط على الدول المتهمة بالدعم أو التمويل كي تعلن مواقف واضحة
الرسالة الأساسية:
أي دولة تستمر في دعم مليشيات تعد مرتكبة لجرائم واسعة و ستكون عرضة للمساءلة الدولية.
ثالثاً: ما الذي يعنيه القرار عملياً؟
رغم أن مجلس حقوق الإنسان لا يملك سلطة فرض عقوبات أو إصدار أوامر ملزمة، فإن للقرار ثلاث آثار عملية مباشرة:
1. ترقية الجرائم من “مزاعم” إلى “وقائع قيد التحقيق الدولي”
وهذه أهم نقطة على الإطلاق.
بمجرد تكليف بعثة تقصي الحقائق، يصبح كل ما ارتُكب في الفاشر — من اغتصاب وقتل وتعذيب — قابلاً للتحول إلى أدلة تُستخدم :
# امام المحكمة الجنائية الدولية
# امام المحاكم الوطنية التي تطبق الولاية القضائية العالمية
#امام مجلس الأمن، للمطالبة بفرض عقوبات أو حظر سلاح
وهذا ما تخشاه المليشيات، وما يقلق الجهات التي دعمتها.
2. زيادة الحصار و الخناق على الدول التى تدعم مليشيات الدعم السريع
بعد صدور القرار، لن يكون بمقدور أي دولة تُتهم بتسليح أو تمويل المليشيات أن تكتفي بالصمت أو الإنكار.
فالقرار يضعها تحت نصب أعين الاعلام و الرأي العام العالمى و البرلمانات و منظمات حقوق الانسان
كما يخلق بيئة مناسبة جداً للتحقيق في “شبكات الدعم الخارجي” للدعم السريع، سواء كان ذلك عبر دول، شركات، وسطاء، أو شبكات تهريب.
3. توفير حماية سياسية وقانونية أكبر للمدنيين
فالقرار يُلزم الأمم المتحدة ان
تتابع الوضع في الفاشر بصفة مستمرة وأن تقدم تحديثات وتقارير بصفة دورية و ان تتدخل في حال استمرار الهجمات أو الحصار
وحين يُذكر اسم مدينة مثل الفاشر مراراً في جلسات الأمم المتحدة، فإن ذلك يرفع منسوب الاهتمام الدولي، ويحد من قدرة المليشيات على ارتكاب جرائم جديدة دون ضجة أو حساب.
رابعاً: هل يكفي هذا القرار لإيقاف المليشيات؟
الجواب الصريح: لا.
لكنه خطوة شديدة الأهمية.
فالعنف لن يتوقف في الفاشر أو في أي جزء من السودان بقرار واحد، لكن هذا القرار:
# يفتح الباب لتحرك مجلس الأمن
# يؤسس لمسار مساءلة جنائية
# يهيئ لتجميد الدعم الخارجي
# يمنح الناجين والضحايا منصة عالمية لإسماع صوتهم
اذن هو يضع العالم أمام مسؤولياته بشكل لا لبس فيه
بعبارة أخرى:
> القرار لا يوقف الحرب، لكنه يغيّر قواعدها تماماً.
خامساً: ما الذي يجب أن يحدث الآن؟
هنا جوهر المعركة القادمة، وهي ليست قانونية فقط بل سياسية أيضاً.
على المجتمع الدولي أن ينتقل من “الإدانة” إلى “الإجراء”،
ومن أبرز الخطوات المطلوبة:
1. فرض حظر سلاح دولي على المليشيات
سواء عبر مجلس الأمن أو عبر دول منفردة.
2. التحقيق في شبكات الدعم الإقليمي والدولي
وضرورة تسمية الدول أو الجهات التي تسهم في استمرار الجرائم.
3. تقديم دعم أكبر لبعثة تقصي الحقائق بما في ذلك التمويل، وتوفير الوصول للمناطق المتضررة.
4. التحرك قضائياً عبر المحكمة الجنائية الدولية، أو المحاكم الوطنية ذات الاختصاص العالمي
5. تأمين ممرات إنسانية حقيقية للفاشر وليس مجرد وعود أو بيانات.
خاتمة
قرار مجلس حقوق الإنسان بشأن الفاشر ليس نهاية الطريق، بل بدايته.
هو بمثابة إعلان دولي أن ما حدث في المدينة جريمة لا يمكن السكوت عليها، وأن العالم بدأ — ولو متأخراً — في وضع الحقائق في سجل العدالة.
لكن العدالة لا تُنجز بالبيانات؛ بل بإرادة دولية، وبضغط مستمر، وبكشف شبكات السلاح والمال التي غذّت هذه المليشيات حتى أصبحت قادرة على ارتكاب جرائم بهذا الحجم.
إن الفاشر اليوم على أعتاب منعطف تاريخي:
إما أن تتحول الجرائم إلى “ملف منسي”،
أو أن تكون بداية النهاية لحقبة الإفلات من العقاب في دارفور والسودان.
والكرة الآن في ملعب المجتمع الدولي…
وفي يد كل صوت يصر على ألا تُنسى الفاشر.
هذا المقال التحليلى اعد بمساعدة
ChatGPT