مقالات

القوات المسلحة ودورها الوطني (1 / 2)

 

بقلم :د. إبراهيم الأمين

تُعدّ المؤسسة العسكرية في أي دولة من ركائز السيادة الوطنية، ودعامة أساسية لحماية الأمن والاستقرار ووحدة التراب الوطني، غير أن التاريخ السياسي الحديث في السودان شهد تداخلاً معقداً بين دور القوات المسلحة بوصفها مؤسسة قومية، وبين محاولات القوى السياسية والعسكرية لاستخدامها أو منافستها لتحقيق أهداف ضيقة، وقد بلغت هذه الإشكالية ذروتها بظهور قوات الدعم السريع، التي فرضها نظام الإنقاذ كقوة موازية للجيش، مما أدى إلى اختلال خطير في معادلة السلطة والأمن داخل القوات المسلحة.

 

أولاً:القوات المسلحة ودورها الوطني :

تمثل القوات المسلحة السودانية المؤسسة الوطنية الأقدم والأكثر تنظيماً، تناط بها مهمة حماية البلاد من العدوان وصون وحدتها الترابية، وهي بذلك ليست بديلاً عن الدولة، بل جزء أصيل من بنيتها الدستورية والسيادية.

في الدولة الحديثة تقوم العلاقة بين المؤسسة العسكرية والسلطة السياسية على مبدأ الفصل والتوازن، إذ تسير المؤسستان في خطين متوازيين لا يلتقيان إلا في خدمة المصلحة العليا للوطن.

وكما جاء في قوله تعالى:

﴿ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ ﴾

صدق الله العظيم.

فإن الأمن والرزق هما عماد الحياة المستقرة، ولا يتحقق الأمن إلا حين يكون الجيش خاضعاً للدستور، ومؤتمناً على حماية الشعب لا على حكمه.

ثانياً :تداعيات الحرب على أمن ومستقبل الدولة في السودان :

1. إضعاف هيبة الدولة وتآكل سلطتها المركزية نتيجة تضارب مراكز القوة.

2. تفكك المنظومة الأمنية وتعدد الجيوش مما زاد من هشاشة الأمن القومي.

3. تهديد وحدة البلاد نتيجة انتشار السلاح خارج الإطار القانوني.

4. إعاقة التحول المدني الديمقراطي.

5. تراجع الثقة بين المواطنين والمؤسسات الوطنية، وهو ما يهدد مفهوم الدولة القومية.

ثالثاً :تصحيح المسار وبناء الدولة المدنية :

إن معالجة هذا الوضع تتطلب رؤية وطنية شاملة تستند إلى مبادئ الدستور والعدالة والشفافية، وتشمل ما يلي:

• إعادة هيكلة المنظومة الأمنية والعسكرية على أسس مهنية وقومية تضمن خضوع كل القوات للقيادة العامة للقوات المسلحة.

• دمج القوات الموازية في جيش وطني واحد تحت إشراف مدني دستوري.

• تعزيز التعليم العسكري المهني وترسيخ قيم الانضباط والولاء للوطن وحده.

• وضع ميثاق وطني للأمن والدفاع يحدد بدقة العلاقة بين المؤسسة العسكرية والسلطة السياسية.

• تحريم أي محاولة لتسييس الجيش أو إنشاء قوات موازية خارج الإطار القانوني للدولة.

لقد أثبتت التجربة السودانية أن ازدواج السلطة العسكرية خطر وجودي على الدولة، وأن حماية الوطن لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال جيش قومي واحد ملتزم بالدستور والعمل في ظل سلطة مدنية.

إن بناء مستقبل السودان يبدأ من استعادة هيبة مؤسساته الوطنية وترسيخ مبدأ أن الجيش هو صمام الأمان وحارس الوطن لا حاكمه، وأن قوة الدولة في وحدتها لا في تعدد جيوشها.

 

د. إبراهيم الأمين

مركز دراسات 6 أبريل للدراسات الاستراتيجية والثقافية

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى