الأعمدةتأملات

الكتلة الديموقراطية .. إرباك وإرتباك

تأملات
جمال عنقرة

قبل الدخول في الحديث عن موضوع هذا العنوان الذي قد يبدو مزعجا لكثيرين، لا بد من التأكيد أولا علي حميم علاقتي مع الكتلة الديموقراطية مجموعة وآحادا، وأخص بذلك الذين ظهروا في المؤتمر الصحفي الأخير للكتلة في فندق كوال بمدينة بورتسودان، وهم جميعا أصحاب مواقف وطنية مشهودة، قديما وحديثا، حركة العدل والمساواة بقيادة الدكتور جبريل إبراهيم، وحركة جيش التحرير بقيادة القائد منى اركو مناوي، ويكفي هاتان الحركتان بلاؤهم الحسن في سوح القتال في معركة الكرامة، والحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل بقيادة الحسيب النسيب مولانا السيد محمد عثمان الميرغني ونائبه نجله النجيب مولانا جعفر الصادق صاحب المواقف الوطنية التاريخية المشهودة، وشيخ المجاهدين أمير الشرق الناظر محمد الأمين ترك المرق، صاحب أكبر قاعدة جماهيرية صلبة، متماسكة، مقاتلة تقف خلفه كالبنات صفا واحدا كالبنيان المرصوص، وصديقي القائد الأمين داود، الذي يسجل التاريخ هذه الأيام مواقف بطولية لقواته في الجبهة الشعبية المتحدة قتالا ببسالة إلى جانب القوات المسلحة، والقوات النظامية الأخري، والقوات الخاصة، والمجاهدين والمستنفرين في معركة الكرامة الوطنية، ثم ندلف بعد ذلك إلى الحديث عن موضوع العنوان “الكتلة الديموقراطية .. إرباك وإرتباك”
وكما هو معلوم فإن الكتلة الديموقراطية اسمها الكامل “الحرية والتغيير .. الكتلة الديموقراطية” بمعني أن الأصل فيها أنها حرية وتغيير، التي كانت كلها كيانا واحدا قبل أن تنفصل ويختار فصيل اسم الحرية والتغيير المكتب المركزي، وينتهي الفصيل الثاني إلى الحرية والتغيير الكتلة الديموقراطية برئاسة السيد جعفر الصادق الميرغني، ونائبه الناظر محمد الأمين ترك، وكما هو معلوم أن السيد الميرغني كان حزبه مشارك في حكومة الإنقاذ حتى ساعة سقوطها في أعلي مستوياتها، حيث كان شقيقه السيد الحسن كبير مساعدي الرئيس البشير، أما الناظر ترك فكان من قيادات المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية وهو يعتز بذلك، أما السيد الأمين داود فلو يذكر الناس أنه لما ذهب جوبا للمشاركة في توقيع سلام جوبا تم اعتقاله، ولحق بأطراف السلام في صحبة القائد مناوي مع بعض أهل المسارات الجهوية، ولو تذكرون أيضا أن الفريق أول ركن شمس الدين كباشي اعترض علي تحية القائد مناوي له باعتبار أنه ليس طرفا في سلام جوبا، أما العضوان الرئيسيان في الجبهة الثورية، وفي سلام جوبا الدكتور جبريل إبراهيم والقائد مني أركو مناوي، كان قد وقع الاتفاق معهمأ حميدتي – أين هو الآن-
الربكة الثانية أن هؤلاء الذين لم يكن أغلبهم أعضاء في الحرية والتغيير يعتقدون أنهم الوريث الشرعي للحرية والتغيير باعتبار أنها ليس لها ولد في السودان، ولذلك يطالبون بنصيبها في الحكم كاملا، ويكونون وحدهم دون غيرهم ممثلين للمكون المدني في أي حوار مع المكون العسكري، لذلك يستعلون علي غيرهم من القوي الوطنية، ويستنكفون عن الجلوس معهم في أي منبر مشترك، متناسين أهم ما يجمع بينهم وبين القوي الوطنية الأخري، تلك الدماء الطاهرة الزكية التي اختلط بعضها ببعض في ساحات معركة الكرامة دفاعا عن العرض والأرض والنفس والمال والولد، وكان حصاد هذا التعالي غير المبرر أن باعد بينهم وبين شركائهم الوطنين الآخرين، وامتلات النفوس حقدا وكراهية وبغضاء.
ارتباك ثالث أو رابع أن بعض قادة الكتلة استهوتهم أوهام المتآمرين علي السودان، الذين أوحوا لهم بأنهم سوف يكونون مقبولين اقليميا وعالميا لتمثيل القوي السياسية التي تقف مع الحكومة في مقابل مجموعة تقدم وقحت لعمل تسوية يزعم أنها شاملة يعزل منها من يزعمون أنهم بقايا فلول للنظام السابق، وهذا فضلا عن أنه باعد بينهم وبين القوي الوطنية الأخري أكثر مما كان، أغضب كثيرين من الحكام، فصاروا يضربونهم تحت الحزام، وبين أيديكم الحملات الإعلامية الشرسة الظالمة والجائرة ضد حركات الكفاح المسلح وضد قادتها.
إن حصاد ذلك المر هو تشتيت القوي الوطنية الواقفة مع الجيش، والمدافعة ببسالة عن الوطن والمواطنين، وبرغم أن قادة حركات الكفاح المسلح يتحملون كثيرا من ذلك، بنظرهم القريب الضيق، الا أن الوزر الأكبر يتحمله قادة البلد الكبار، ولن أقول كلاما مبهما، فأعني سعادة الرئيس البرهان وشركائه العسكريين في قيادة، ففي بعض الأحيان تشعر أن هذه الدولة ليس فيها حكومة، فبعض الحملات ضد الحركات تدخل ضمن الجرائم ضد الأمن القومي، ولكن الحكومة لا تحرك ساكنا، ولهذا يعتقد الناس أن هناك جهات حكومية ترعي هذا التفلت، وتحميه، كما أن قادة في الدولة يقدمون عروضا مختلفة للمشاركة في الحكومة للحركات ولغيرهم من القوي السياسية الأخري، وكل هذه العروض غير قابلة للتنفيذ، فصارت الحكومة متهومة عند كثيرين بعدم الجدية والمراوغة،
وحقيقة الأمر أنه لا الحكومة ولا حركات الكفاح المسلح، ولا القوي السياسية الأخري في حاجة إلى كل هذه المراوغات التي لم تعد محتملة، لا للشعب الكلوم، ولا للبلد المنهوب، فحركات الكفاح المسلح التي صمدت وصبرت، ورابطت، وجاهدت، هي وحدها نصيبها في المشاركة في السلطة محفوظ وفق سلام جوبا، أما القيادة العسكرية فلقد استعادت بعد الحرب حقها كاملا، في رعاية وقيادة وحماية مرحلة ما قبل الانتخابات بالاستعانة بالكفاءات الوطنية ذات الخبرات والتجارب المشهودة، وليس لأحد حق التدخل، ولا حتى ابداء الرأى الا أهل التخصص والخبرات المتراكمة في كل مجال،
أما الاحزاب والقوي السياسية كافة، فلا نصيب لهم في الحكم الا وفق ما تسفر عنه أول انتخابات بعد مرحلة التأسيس، وعلي مجلس السيادة أن يستعجل اقرار قانون تنظيم عمل الأحزاب، وتعيين مسجل، وديك البلد، ودي الحشاشة، والجشاش يملأ شبكته،

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى