مقالات

المبارك بالإسم المفلس بالمواقف ! 

من أعلى المنصة

 ياسر الفادني

لم يكن مستغربًا أن يطلّ مبارك الفاضل بهذه التصريحات المسمومة، فمن  إعتاد الرقص على جثث الأوطان لا يجد حرجًا في تزيين مواقفه بخطاب إنساني أجوف، يتوسل به التعاطف وهو يبيع الخراب مغلفًا بشعارات الإنقاذ، لكن ما قاله الفاضل لا يعدو أن يكون محاولة خبيثة لتبييض وجوه  إحترفت السمسرة السياسية، ودفع عجلة التدخل الأجنبي نحو الأمام، على حساب سيادة بلد يتنفس الموت ويقاوم الطعن من الظهر

 

حين يقول إن الحرب “استنفدت أغراضها”، لا بد أن نسأله: أغراض من؟ أغراض القوى التي رعت الخراب وزرعت الفتنة ثم جلست تتفرج على الوطن وهو يُحرق؟ أم أغراض السياسيين الذين استثمروا في معاناة الناس ليصعدوا إلى المنابر الدولية مزهوين بثوب المعارضة الزائف؟ مبارك لا يتحدث عن وقف الحرب حبًا في السلام، بل لأنه يرى أن ركام الوطن بات صالحًا لبناء صفقة جديدة، يضمن بها لنفسه مكانًا في سلطة قادمة تُرتب خلف الأبواب المغلقة

 

أما دعوته لتسليم الأمر للقوى الدولية، فهي قمة الفجور السياسي. تسليم البلاد؟ بكل بساطة؟ لمن؟ لأولئك الذين صمتوا على الإبادة في الخرطوم ودارفور، ثم عادوا ليقترحوا حلولًا تعيد إنتاج نفس الأزمة؟ هذا ليس نداء استغاثة، بل دعوة صريحة للاحتلال المقنّع، إنها وصاية مغلفة بإشفاق مزيف، لا يرى في السودانيين سوى قُصَّر يحتاجون إلى من يقودهم، ولا يرى في الوطن سوى خرقة تُعرض في المزاد

 

أما هجومه على البرهان، فهو ليس نقدًا لسلطة انقلابية، بل تصفية حسابات سياسية مفضوحة ، من ينتقد البرهان لأنه “لا يريد أن يزاح”، لا يفعل ذلك من منطلق ديمقراطي، بل لأنه يتوق إلى الجلوس مكانه، من باع روحه مرارًا في سوق الصفقات لا يحق له أن يتحدث عن عودة السلطة للمدنيين، وهو أول من خذلهم عند كل منعطف

 

أما حديثه عن “تفكير في مستقبل الدعم السريع”، فهو قمة الانحطاط الأخلاقي، أي مستقبل يُرجى لقوة ارتكبت المجازر، ونهبت المدن، وروّعت الآمنين؟ هل المطلوب أن نمنح القتلة مقاعد في الجيش القومي؟ أن نُكافئ المجرمين باسم المهنية؟ هذا ليس حوارًا عن بناء جيش وطني، بل تواطؤ مع الجريمة وتطبيع مع القتل، باسم الواقعية السياسية

 

مبارك الفاضل لا يهمه الكوليرا ولا الموت ولا الجوع، يهمه فقط أن يكون موجودًا في المعادلة، ولو على أنقاض الخرطوم، يلبس ثوب الحريص على الوطن، بينما يمسك بخنجر في يده الأخرى، إنه الوجه الآخر للمأساة… ذلك الذي لا يطلق الرصاص، لكنه يُبرر لمن أطلقه، ويهيئ له الطريق للعودة بثوب جديد.

 

إني من منصتي…. اقول له : كفى نفاقًا، كفى متاجرة، كفى سُمًّا مغلّفًا بخطاب الوطنية، الشعب الذي يموت اليوم لن يغفر غدًا، وسيكتب التاريخ أسماء الخونة بنفس الحبر الذي يكتب  به أسماء الجلادين.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى