مقالات

« اليوم العالمي للايدز ١/ديسمبر»”من الخطر الصامت إلى الوباء المعلن”

روشتة في بريد الاسرة

اسماء قسم الله قسم السيد

الإيدز في زمن الحرب شرخ في جدار الحماية، في الأول من ديسمبر من كل عام، يتجدد التذكير العالمي بفيروس نقص المناعة البشرية (HIV) المسبب لمرض الإيدز، لقد أحرز العالم تقدماً هائلاً في تحويل الإيدز من حكم بالإعدام لحالة صحية مزمنة يمكن إدارتها وذلك بفضل جهود الترصد والعلاج بمضادات الفيروسات القهقرية (ARV). لكن ما لا يُذكر غالباً هو أن هذا التقدم هش، ومهدد بالانهيار عند أول شرخ في جدار الاستقرار المجتمعي. وعندما تندلع نيران الحرب والصراع، لا تكون الخسائر محصورة في الأرواح والمنشآت المادية فحسب، بل تمتد لتفتك بالأنظمة الصحية الحامية إن هدف كتابة هذه السطور هو تسليط الضوء على الأثر الكارثي للحروب على جهود مكافحة الإيدز، وكيف يمكن أن تعيد المنطقة أو الدولة المتضررة إلى مرحلة “الوباء المعلن” بعد سنوات من السيطرة.
أولاً يتمثل التهديد الأكثر فورية في تدمير البنية التحتية الصحية. فالمستشفيات ومراكز الرعاية التي تقدم خدمات الفحص والعلاج تُصبح أهدافاً أو تتحول إلى مراكز إسعاف للجرحى، مما يعطل خدمات الإيدز بشكل كامل. بالإضافة إلى ذلك، تتوقف سلاسل الإمداد اللوجستية، ويصبح وصول الأدوية المنقذة للحياة (ARV) مستحيلاً. يعتمد المصابون بالإيدز على نظام علاجي يومي صارم. وعندما يضطرون للنزوح أو العيش في مناطق محاصرة دون الحصول على جرعاتهم، فإن ذلك لا يعرض حياتهم للخطر المباشر فقط، بل يؤدي إلى تطور سلالات فيروسية مقاومة للعلاج، مما يشكل تهديداً أوسع على الصحة العامة ومن جهة أخرى، تخلق الحروب بيئة مثالية لانتشار الفيروس. فعندما تتفكك الروابط المجتمعية، وتنتشر ظواهر الاغتصاب والعنف الجنسي كسلاح حرب، يرتفع معدل انتقال العدوى بشكل مأساوي. علاوة على ذلك، تتزايد ممارسات نقل الدم غير الآمنة في مناطق النزاع بسبب الحاجة المُلحة، وتتدهور ظروف النظافة في مخيمات النزوح المكتظة، مما يضعف المناعة العامة. هذا التحول من الاستقرار إلى الفوضى يلغي كل الجهود الوقائية والتعليمية التي استغرقت عقوداً، تحول المرض من “خطر صامت” تحت السيطرة إلى واقع “وبائي مُعلن” تتسارع فيه الإصابات الجديدة، ومن المهم أيضاً النظر في التحول في أولويات التمويل العالمي والوطني. في زمن الحرب، تُوجه الموارد المالية التي كانت مخصصة للوقاية والترصد و التوعية إلى المجهود الحربي أو إلى الإغاثة الطارئة. هذا التراجع في التمويل يعني توقف حملات الفحص المبكر -( وهو حجر الزاوية في السيطرة على الإيدز) فعندما يتوقف الترصد، يتحول الإيدز إلى عدو غير مرئي مرة أخرى، ينتشر بهدوء بين النازحين واللاجئين، الذين قد ينقلون الفيروس عبر الحدود، محولين الأزمة المحلية إلى تهديد إقليمي، لقد أثبتت الحروب أن السيطرة على الإيدز هي عملية مستمرة وليست إنجازاً نهائياً. إن الإيدز هو مقياس لمدى صلابة النظام الصحي وقدرته على الصمود؛ وعندما ينهار هذا النظام بفعل الصراع، يصبح المصابون أول الضحايا، ويُصبح المجتمع بأكمله معرضاً للخطر. لذلك، فإن حماية البنى التحتية الصحية وتأمين ممرات إنسانية لوصول العلاجات (ARV) ليست مجرد عملاً إنسانياً، بل هي استثمار ضروري لحماية الأمن الصحي العالمي. يجب على المجتمع الدولي، في اليوم العالمي للإيدز، أن يضع استدامة برامج مكافحة الإيدز في مناطق النزاع على رأس الأولويات لمنع عودة شبح الوباء الذي ظننا أننا قهرناه.
ودمتم بصحه وعافيه

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى