مقالات

تاركو..طائر الشفق الأصيل..

كتب: علم الدين عمر

حين وصفت في مادة خاصة على صفحات مجلة المقرن شركة تاركو للطيران بطائر الشفق الأصيل..بدا الوصف للبعض مجازاً أدبياً أكثر منه توصيفاً موضوعياً..حتى إن أحد موظفي الشركة علق وقتها بدهشة صادقة..بأن هذه صفة لم يطلقها أحد من قبل..

غير أن بعض الأوصاف التي يطلقها قلم الرأي ذات دهشة من فعل أو قول أو موقف لتدهش اللحظة يفاجأ بها مطلقها تصمد أمام الزمن دون ترتيب فيصادف المقال الحال..وقد جاءت الأيام..مثقلة بالوقائع.. لتمنح هذا الوصف معناه الكامل..كحقيقة ماثلة علي لسان العدو قبل الصديق..

 

فحين أُختبرت بلادنا في معدنها الصافي..تباعدت الشركات والمؤسسات الوطنية عن كونها مجرد كيانات إقتصادية..وكذلك رجال الأعمال الذين بم يعودوا مجرد أرقام في دفاتر الإستثمار.. فقد تحول بعضهم – قلة نادرة – إلى خطوط دفاع صامتة عن الدولة،.وإلى علامات مضيئة في الذاكرة الوطنية..في هذا السياق تحديداً.. برزت شركة تاركو للطيران كرمز لمعنى أعمق في الوطنية..معني أن تكون الموقف فعلاً عملياً..وأن السماء نفسها يمكن أن تتحول إلى ساحة كرامة..

خلال الأيام الماضية.. أزاحت التسريبات الستار عن جانب مظلم من تفكير مليشيا الدعم السريع.. وعبر قائدها الثاني عبدالرحيم دقلو..في سعيها المنهجي لتجفيف منابع الشركات الوطنية.. ضمن خطة أوسع للتمهيد للتمرد ثم شن الحرب على الدولة السودانية ومكتسباتها.. لم يكن الإستهداف عشوائياً ولا وليد انفعال كما أعتقدنا منتصف أبريل العاصف ذاك..بل كان جزءاً من عقلية ترى في الإقتصاد الوطني المستقل خطراً يجب إخضاعه أو تدميره..

في هذا الإطار..كانت تاركو هدفاً مركزياً.. طالته نصال الاعتقال.. والتعسف..والتهديد.. والوعيد..والترغيب والترهيب.. لأن المليشيا كانت تعلم – بحسها الأمني الغريزي – أن وجود شركة طيران وطنية قوية.. وعلى رأسها رجل متجرد مثل سعد بابكر.. سيصنع فارقاً حقيقياً في لحظة الحرب الأولى..حين تتعطل المؤسسات.. ويضيق الأفق..وتصبح القدرة على الحركة مسألة حياة أو موت..

لكن تلك النصال جميعها تكسرت على صخرة إرادة صلبة.. تمسك سعد بشركته.. ورفض رفضاً قاطعاً التنازل عنها أو إخضاعها لإملاءات القوة..لم يكن موقفاً إنفعالياً ولا بطولة خطابية..بقدر ما هو قرار واعي بأن هذه الشركة ليست ملكاً لفرد في حدود إستثمار الربح والخسارة بل هي رصيد وطني..لا يمكن التنازل عنه أو رهنه ..وقد صدق حدس بائس آل دقلو– وهو الكذوب – فما أن إندلعت الحرب حتى حلق طائر الشفق الأصيل فعلاً.. حاملاً الأمل لأهل السودان..

منذ البدايات..حملت تاركو الدواء والغذاء والكساء دون من ولا أذى.. وأنتشرت خدماتها كمطر العافية على ربوع السودان.. نقلت المرضى.. وأعادت العالقين.. وحملت أشواق الناس المعلقة بين المنافي والمدن المحاصرة.. فعلت ذلك بعزة وجسارة..وبإحساس عميق بالمسؤولية.. لم تستثمر في المأساة كما فعلت بعض المؤسسات..

كشفت هذه الوقائع كيف كانت المليشيا تفكر وتدبر وتتوهم قدرتها على القبض والإخفاء والترهيب باسم الدولة..صفيق آل دقلو كان يتشدق بسطوته علناً..غير مدرك – لجهله – أن في السودان رجالاً قادرين على مواجهة هذا الصلف والغلو بالعمل.. وبالعلم.. و(بـرجالة) صارخة رضعوها مع حليب أمهاتهم..

لم ألتقِ سعد بابكر يوماً..لكنه من الذين لا يحتاجون إلى لقاء..فقد سبقت أفعالهم أسماءهم..لقد خط اسمه بخطوط من نور في ذاكرة الناس والأحداث..في الوقت الذي لاذ فيه كثيرون بالصمت أو الحياد المريب.. وبينما يطارد البؤس آل دقلو من (ظل شجرة) إلى (جحر ضب) في الفلا والصي تطاردهم لعنات السودانيين ودماء الأبرياء التي أراقوها ..تواصل تاركو تحليقها.. تشق السماء بذمة السودان والسودانيين..

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى