
* من واقع الظروف المعقدة التي تمر بها الدول النامية، تجد دول العالم الثالث نفسها على الدوام بحاجة ماسة إلى وضع استراتيجيات وخطط لمعالجة المشكلات الناجمة عن عدم قدرة المواعين التنموية على الوفاء باحتياجات الشعوب، وتزداد التحديات على رأس كل عام من خلال النمو السكاني الذي لا تقابله موارد كافية، لسد حاجات السكان المتزايدة.
* والمعروف أن التنمية تظهر ملامحها في ارتفاع معدلات الإنتاج والإنتاجية، وفي تنمية رؤوس الأموال الوطنية، وفي تفجير الطاقات، وفي ابتكار وسائل إنتاج داعمة لزيادة الناتج القومي، فضلاً عن توسيع دائرة الاستثمار ليتم تقاسم الفوائد بصيغ تعاقدية متفق عليها، للمساهمة في تمكين القادرين على العمل من زيادة الموارد، وتغطية الاحتياجات الأساسية لهم.
* الخلل ليس في المعادلة التنموية إن أردنا التقييم، فهي متوازنة هيكليا وإجرائيا، إن أحسنت حكومات دول العالم النامي توجيهها بالصورة السليمة، والتعامل معها كما ينبغي، إلا أن الخلل يبدو جلياً في عدم التوزيع العادل للسكان في القطر الواحد، إذ يعتبر هذا المهدد من أكبر التحديات المعيقة للتنمية المتوازنة والمستدامة.
* فضلاً عن عدم الالتزام بالخطط الاستراتيجية، نتيجة لتداخل المصالح والتسويات التي تتم بهذا الخصوص دون تقليب المصلحة العامة على غيرها من المصالح الأخرى، وتعارض ذلك مع الرؤية الكلية للمشروعات، بجانب اتساع دوائر الفقر والزياد المضطردة في الأمية والعطالة، يقابل ذلك من الناحية الأخرى ارتفاع صوت القبيلة على الحس القومي الذي تنصهر بداخله كل الإثنيات والعشائر، علاوة على غياب الحلول المبتكرة، والأفكار البناءة نتيجة للتداخل بين الرعاة والمزارعين من جهة، والمعدنين و”أصحاب المصلحة” حين تواجه الفئة الأخيرة بمهدد بيئي نتيجة لاستخدام المواد الكيميائية في عمليات التعدين دون مراعاة لآثارها على صاحب المصلحة العامة، ناهيك عن الخدمة المجتمعية التي لا يلقي لها المستثمر بالا، كأن “صاحب المصلحة” لا حق له البتة، ولا يجوز له المطالبة به.
* غياب الرؤية المتكاملة في الخارطة التنموية نتجت عنه جملة من الصعاب من بينها تنامي الحروب والصراعات الداخلية نتيجة للتكالب على الموارد، والتي يطلق عليها بعض علماء السياسة “حرب الثروة”، بجانب تهديد بعض الكيانات بالانفصال حال لم يتم التوصل لقسمة عادلة لهذه الثروة، وإن كنت أميل للتسمية التي أطلقها علماء الاجتماع والاقتصاد “الموارد التنموية” باعتبار أن التنمية تعني الزيادة في المنتجات، والتوسعة في المشروعات التي هي أساس الاقتصاد الكلي، والكفاية للسكان من المنتجات والموارد، فيما الثروة تعبر عن قيم مالية، لا يتحقق لها النمو الذي يتحقق للتنمية بذات الكفية التي أشرت لها.
* ونتج عن عدم قدرة الموارد على الوفاء بحاجة كل السكان إلى “الهجرة غير الشرعية” إلى الغرب، لما يتمتع به من ازدهار واستقرار اقتصادي.
* في حين أن أكبر هاجس لدى الغرب يتمثل في الهجرة غير الشرعية، لذلك سارعت الأنظمة الغربية إلى سن القوانين الرادعة التي تجرم الهجرة من هذا النوع، القوانين التي تحول دون وصول المهاجرين إلى بلادهم.
* ما من معضلة إلا ولها حل، على الغرب إن كان جادا في معالجة أزمة المهاجرين الذين لا يرغب فيهم، فعليه تمليك دول العالم النامي تقنيات وسبل تفجير الطاقات التي تجعلهم مكتفين بالموارد التي بين أيديهم، والمساهمة الحقيقية في رفع القدرات، وتنمية المهارات ليغير المهرة واقع بلدانهم للأفضل، ومعالجة الديون المتراكمة لصناديق التمويل الدولية لمعالجة العجز المالي الذي كبل دول العالم النامي، وحال دون نهضتها، والبحث عن سبل كفيلة بتحقيق الكفاية، مع ضرورة رسم خارطة طريقة مشابهة لمشروع “طريق الحرير” الذي حقق نجاحات كبيرة جعلت شرق آسيا شوقا بديلة للسوق الغربي، فضلاً عن مساهمة الغرب في دعم توجهات الدول النامية في التعليم النوعي الذي يعزز التنمية المستدامة، وللحديث بقية.