
تصريحات وزير الخارجة الامريكي ماركو روبيو حول الدعم السريع ، هل تعبر عن موقف إستراتيجي ام خطوة تكتيكية ..؟ وما هو تفسيرها ودوافعها الخفية ..؟
بقلم:حيدر التوم خليفة
بالامس الأربعاء *شهد الموقف الامريكي* تجاه الصراع السوداني *موقفين هامين* ، حملهما تصريحان صدرا عن شخصيتين مهمتين ، احدهما *لمسعد بولس مستشار ترامب ومسئول متابعة الرباعية* ، وقوله بخصوص الهدنة الإنسانية ، ان *الوقت قد نفد*، وان حال المواطنين لا يتحمل مزيداً من الانتظار ، ملوحاً *بخيارات اخري تحوي تهديداً ضمنيا بالتدخل الجبري* لانقاذ الضحايا حسب زعمه ..
والموقف الاخر هو الذي صدر عن *وزير الخارجية الامريكي ماركو روبيو* ، في احاطة صحفية ، اجراها علي هامش اجتماع وزراء خارجية الدول السبع بكندا ..
وقد جاءت افادات *ماركو روبيو اكثر حدة وعدوانية* تجاه الدعم السريع ، وتحمل *ادانة صريحة له وللدول التي تمده بالسلاح* ، خاصة الامارات ، وللدول التي *تُسهِّل نقله عبر أراضيها* …
كما *ادان بشدة ممارسات الدعم السريع الاجرامية تجاه المدنيين* ، خاصة جرائم القتل ، وإغتصاب النساء ، والتعدي علي الاطفال والشيوخ والمرضي والنازحين ، واعتبرها *عملاً منظماً ممنهجاً* ، رافضاً تبريرات الدعم السريع بإعتبارها تفلتات فردية ، وافاد بانهم مستعدون *ومن اعلي مستوي لتصنيفه كمنظمة ارهابية اذا استدعي توقف هذه الجرائم ذلك* ، وأضاف ان هناك مجموعات في الكونغرس تعمل علي ذلك ، وتتواصل معه منذ اشهر ..
ومضي اكثر عندما رد على سؤال وجه اليه حول *حقيقة دعم الامارات للمليشيا بالقول* :
*نحن نعرف الاطراف المتورطة ، ولهذا هم جزء من الرباعبة*(وهنا تحديداَ يقصد الامارات) ..
وزاد علي ذلك بان شكك في ان *تلتزم قوات الدعم السريع باي اتفاق توقعه*…
ولف الحبل حول عنق الامارات عندما قال :
*”ولن نسمح بان تصبح عملية الرباعية التي أقمناها درعاً تختبئ خلفه الاطراف قائلة “نحن نحاول الحل” ، نحتاج إلى نتائج عملية، ويجب ان تتحقق بسرعة كبيرة ، وألا فإن ما هو مأساة بالفعل سيتحول الي ما هو أسوأ بكثير* ..
وعند تحليلنا لهذا *الموقف الامريكي المتجاوز* لمواقفها السابقة ، نجد ان هناك *نقطة مهمة* دائما يجب الانتباه لها عند تناول أي صراع تكون امريكا طرفاً فيه ، سواء ان كانت *مشاركة بصورة مباشرة ، او داعمة لاحد اطرافه ، او ساعية بالحل فيه* ، وهي *اين تقع مصالحها* في هذا الصراع ، فهي تاجر سياسة ، بل اكبر تجارها ، *ولا تتحرك الا بما يخدم مصالحها* ، لهذا سوف نحاول تناول هذا *التغير الكبير في الموقف الامريكي إنطلاقاً من إيفائه وخدمته لهذه المصالح* ، وهذا يستدعي تقديم *الاحتمالات الاتية :*
*اولاً* .. هل هناك *تنافس* في موضوع السودان داخل الإدارة الأمريكية بين *موقفي بولي وروبيو ، خاصة وان ملف السودان* يقع تحت الاشراف المباشر لنائب روبيو ، ولا يخفي ما بينهما من خلاف ..
ومن المعلوم ان *مسعد بولس موقفه مساير ومداهن ومتماهي مع موقف الامارات* في الرباعية ، وان السودان سبق وان نبهه الي ذلك ، بل قطع له *بعدم تحقيق اي نجاح اذا اصر الي اتباع موقفه الحالي المهادن للدعم* ، والموالي للامارات ..
فهل موقف *روبيو الحاد* تجاه الامارات ، والمسنود ببعض *اعضاء الكونغرس المناهضين لسياسة الامارات ولدورها المدمر في الصراع السوداني* ، هل هو *إصطفاف ضد مسعد صهر ترامب ومناصريه من المتماهين مع الامارات* ، وهل يريد استعادة الملف وإسناده الي احد مساعديه ..
*ثانياً* … هل هو تبدل *استراتيجي ناتج عن اتفاقيات سرية* ، بين امريكا والبرهان ودول اخري في الاقليم ، مثل مصر والسعودية وقطر ، اضافة الي تركيا ، وهي اتفاقيات تحمل قرارات حاسمة ، بانه قد *حان وقت وقف الحرب* ، وبدء مرحلة *جني الثمار* ، بعد ان *اكتملت اتفاقيات اعادة التعمير وتقاسم فرص الاستثمار في السودان ..؟*
*ثالثا*.. هل الموقف الامريكي الجديد ، يأتي ضمن *حماية الاهداف الاقتصادية المرجوة في السودان* ، وتحصينها من *التدخل الاوروبي* ، بعد توالي تصريحات مسئولي *الاتحاد الاوروبي الحادة ضد الدعم السريع وادانة جرائمه* وضرورة حسمها ، عبر التحرك سريعاً في *مسار أوروبي منفصل* ، فالكل يريد جزءً من الكيكة ، اضافة الي ما يلوح في الافق اليوم ، وارهاصات عودة فرنسا ، لإستعادة دورها المفقود في تشكيل المنطقة ، عبر تدخلها عميقاً في الصراع السوداني ، إضافة الي محاولة عودتها من *بوابة مالي محمولة* علي اكتاف *التنظبمات الاسلامية الارهابية* ، وسعي أمريكا لتدارك الامر قبل ان يستفحل ويمتد الي الدول الاخري ، مما يقود الي ضياع مشروع ، *امركة أفريقيا* ، والذي استثمرت فيه كثيراً ، وحرسته بقوات الافريكوم ، وهدفت في بعضه الي *طرد الوجود الفرنسي* من الغرب وغرب الوسط الأفريقي بصورة تدريجية ..
*رابعاً* … هل يمثل خطوة *لقطع الطريق امام عودة روسيا* الي المنطقة عسكرياً ، عبر *قوات الفيلق الافريقي* وهي الوريث *لقوات فاغنر* ، خاصة بعد ان صرح *نائب الامين العام* لمجلس الامن القومي الروسي بالامس عن *توقف العمل في القاعدة الروسية* علي سواحل السودان في البحر الاحمر نسبة للظروف الحالية ، وخوف امريكا من ان *تلقي روسيا بثقلها في الحرب كحالة إنتقامية الي جانب الدعم السريع* ، وتصبح اكبر *موردي السلاح* له بتمويل اماراتي ، بعد ان تعالت اصوات عديدة في الغرب بضرورة *حظر. توريد السلاح* الي الدعم السريع ..؟
*خامساً* .. هل الموقف الامريكي الحازم تجاه الدعم السريع ناتج عن *الضغوط التي تمارس في الداخل الامريكي* ، ومسايرة لموجة الادانة الدولية لافعاله ، وأنه استجابة للمطالبات العديدة *بحظره وادانته ، بصفته موقفا يخدم المصالح الأمريكية* في هذا الشأن بصورة كلية ، خاصة وان رئيس البيت الامريكي *يغرد دائما* بانه يعمل علي *صيانة حقوق الانسان* ، ومناهضة الحروب ، وإطفاء الصراعات ، *وترسيخ السلام العالمي ..؟*
*سادساً* .. أم هو سياسة امريكية ترمي *الي الاستفراد بالملف السوداني* ، مع تهميش الرباعية ، خاصة بعد اعلان وزير الخارجية السوداني بالامس عن *إعادة تقييم السودان للرباعية* ، وانها ليست اكثر من *لجنة جودية ، لا شرعية دولية لها* ، تحوي ثلاث دول صديقة ، وواحدة عدوة ، الامر الذي قد *يفككها* مستقبلاً …
*والرباعية* كما كتبت سابقاً اتت *ضمن التخطيط الامريكي للإستفراد بالسودان* ، وهي ليست *معنيةً بالحل* ، في الوقت الحالي ، وانما *تجميده وسد المنافذ اليه* ، حتي تكتمل *مشاوراتها واتفاقياتها مع الجهات السودانية* ، والتي تعطيها *مساحة واسعة للتحرك فيه حصراً* في العديد من المجالات الاستثمارية *خاصة النفط والذهب والمعادن النادرة* ، وهذا الامر في نهايته يتطلب *إقصاء الامارات ، وتغييب الدعم السريع بالكامل* ..
*سابعاً* … ام هو تحرك *لمحاصرة الدعم السريع وقياداته للرضوخ للحل الامريكي وفقاً لمصالحها* ..
*ثامنا واخيراً* .. ام هو فعل يمثل *إستشعاراً بخطورة الدعم السريع ، وما يمكن أن يُحدِثه من مشاكل مستقبلاً في المنطقة* الممتدة من *البحر الاحمر* حتي *المحيط الاطلسي* ، لهذا يجب ليس *تحجيمه فقط ولكن وأده* …
كلها *إحتملات تفسر سر التحول المفاجئ والكبير للموقف الامريكي* تجاه الدعم السريع والدول الداعمة له ، ولا اعتقد انه *موقف تكتيكي* ، وإنما موقف، *إستراتيجي ذو ارتباط وثيق بضمان المصالح الأمريكية* ، *وبتطورات مهمة سوف يشهدها الصراع* في الايام المقبلة ، *ومجمل الجغرافيا السياسية للمنطقة* قريباً ، هذا ما سوف تحمله ، وتبينه الايام المقبلة …
*حيدر التوم خليفة*
١٣ /١١ / ٢٠٢٥