
تمكين المرأة السودانية اقتصاديًا: نحو نهضة مستدامة بعد التعافي من الحرب
شئ للوطن
م.صلاح غريبة – مصر
Ghariba2013@gmail.com
إن الحديث عن النهضة والتعافي في أي بلد مزقته الصراعات لا يمكن أن يكتمل دون تسليط الضوء على الدور المحوري للمرأة. في السودان، وبعد سنوات عصيبة من إرهاصات الحرب التي خلّفت ندوبًا عميقة على النسيج الاجتماعي والاقتصادي، بات تمكين المرأة السودانية اقتصاديًا ليس مجرد خيار، بل ضرورة استراتيجية لبناء مستقبل مزدهر ومستقر. بالمساهمة الفاعلة للمرأة في الاقتصاد هي حجر الزاوية لتحقيق التنمية المستدامة، وتعزيز صمود المجتمعات، وضمان توزيع عادل للثروة.
لقد أثبتت التجارب العالمية، ومنها التجربة المصرية الملهمة، أن دعم رائدات الأعمال وتوفير بيئة مواتية لمشروعاتهم يسهم بشكل كبير في دفع عجلة التنمية. المؤتمرات والفعاليات التي تركز على “المرأة في المشروعات الكبيرة والمتوسطة”، كما هو الحال في مصر برعاية جهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، تمثل منصة حيوية لتبادل الخبرات، وربط سيدات الأعمال بالجهات التمويلية، تعريفهم بالتشريعات والمزايا التي تدعم مشروعاتهم. هذا النهج التكاملي، الذي يجمع بين الدعم الحكومي ومؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص، هو ما يحتاجه السودان اليوم لإطلاق العنان لقدرات نسائه.
تُظهر التجربة المصرية، من خلال جهود جهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر ونادي سيدات الأعمال CEO Women Business Club، نماذج ناجحة يمكن للسودان أن يستلهم منها الكثير. والاستمرارية في التنسيق مع مختلف الجهات لتوفير أوجه الدعم، وتمكينها من اقامة وتطوير المشروعات بمختلف أنواعها. هذا الدعم لا يقتصر على التمويل فحسب، بل يمتد ليشمل التدريب، والاستشارات، والوصول إلى الأسواق، وهو ما يضمن استدامة المشروعات وخلق فرص عمل لائقة.
كما أن التركيز على دمج النوع الاجتماعي في كافة المشاريع والبرامج التمويلية، وأهداف التنمية المستدامة، يعكس فهمًا عميقًا أهمية التمكين الاقتصادي للمرأة كجزء لا يتجزأ من الأهداف التنموية الكبرى. هذا التوجه يسلط الضوء على ضرورة وجود إطار تشريعي وتنظيمي داعم يسهل على المرأة السودانية تأسيس أعمالها وتنميتها، ويحمي حقوقها، ويوفر لها آليات وصول سهلة وشفافة للموارد والخدمات.
في مرحلة ما بعد الحرب، تواجه المرأة السودانية تحديات فريدة، منها: ضعف البنية التحتية، محدودية الوصول إلى التمويل والأسواق، والآثار النفسية والاجتماعية للصراع. ولكن في الوقت ذاته، تبرز فرص واعدة تتمثل في المرونة الفطرية للمرأة السودانية، وقدرتها على التكيف والابتكار، ورغبتها الملحة في إعادة بناء حياتها ومجتمعها. يمكن الاستفادة من هذه الإرادة القوية بتحويلها إلى طاقة إنتاجية هائلة، خاصة في القطاعات التي يمكن أن تقودها المرأة مثل الصناعات الصغيرة، الحرف اليدوية، الزراعة، والخدمات.
إن إقامة مؤتمرات وورش عمل مشابهة لتلك التي تُعقد في مصر، تركز على احتياجات المرأة السودانية وتحدياتها المحددة، سيكون لها أثر بالغ. يجب أن تهدف هذه الفعاليات إلى توفير برامج تدريب متخصصة في ريادة الأعمال، والإدارة المالية، والتسويق الرقمي، وتسهيل الوصول إلى التمويل من خلال قروض ميسرة، وصناديق دعم، وشراكات مع المؤسسات المالية، مع بناء شبكات دعم قوية تربط سيدات الأعمال ببعضهن البعض والمرشدين والخبراء، والتعريف بالتشريعات المواتية التي تدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي تقودها النساء، بجانب الاستفادة من التكنولوجيا والتحول الرقمي لتمكين المرأة من الوصول إلى أسواق أوسع وتجاوز القيود الجغرافية.
لتحقيق نهضة اقتصادية شاملة في السودان، يجب أن يتجاوز مفهوم تمكين المرأة مجرد الدعم المالي. إنه يتطلب رؤية شاملة تتضمن:
بناء القدرات: من خلال التعليم والتدريب المهني الذي يلبي احتياجات سوق العمل المتغيرة.
الوصول إلى الموارد: بما في ذلك الأراضي، والمياه، والطاقة، والتقنيات الحديثة.
المشاركة في صنع القرار: ضمان تمثيل المرأة في الهيئات الاقتصادية وصناديق التنمية.
تغيير المفاهيم المجتمعية: تحدي الصور النمطية التي قد تعيق مشاركة المرأة الكاملة في الاقتصاد.
الشراكات الفاعلة: بين الحكومة، والقطاع الخاص، والمنظمات الدولية، ومؤسسات المجتمع المدني.
إن دعم شركة عالمية مثل Alcatel-Lucent Enterprise فعاليات تمكين المرأة، يعكس إيمان القطاع الخاص بالدور المحوري للمرأة في قيادة التحول الرقمي والنمو المؤسسي. هذا يؤكد على أن الاستثمار في المرأة ليس مجرد مسؤولية اجتماعية، بل هو استثمار اقتصادي ذكي يعود بفوائد جمة على المجتمع ككل.
في الختام، إن تمكين المرأة السودانية اقتصاديًا في مرحلة ما بعد الحرب ليس ترفًا، بل هو محرك أساسي للتعافي والبناء والسلام المستدام. فإذا ما تم توفير الدعم اللازم، والفرص المتساوية، والبيئة المواتية، ستثبت المرأة السودانية بلا شك قدرتها على أن تكون في طليعة القوى التي تقود بلادها نحو مستقبل أكثر إشراقًا وازدهارًا.