وجع ضرس

جزيرة سمحة بسيطة .. المولى قادر يجيرها

وجع ضرس
عبد الكريم محمد فرح

تُغتصب الجزيرة بفعل الحرب جنجويداً يملأ تلك القرى الأمنة المطمئنة، تموت الحياة هناك؛ مثلما ماتت في الخرطوم تتحول المزارع والمشاريع لركام، يموت الناس ظلماً قهراً جوعاً خوفاً ترقباً وينزح مواطنوها ،، نزوح تلو نزوح، الجزيرة ليست تلك الولاية التي تقع في وسط السودان فحسب بل تمثل قلب السودان النابض ،، مدن، قرى، حلال، حواشات، مسيد، وكنابي. تتغنى الجميلة إيمان الشريف بإغنية الجزيرة والتي أحتلت مساحة مقدرة من زمني وأذني في الأيام الماضية، ولعل وصف حليلا بارد زيرها ،، هو ما يمثل إنسان الجزيرة الذي يسعى جاهداً للقمة عيش وراكوبة وشجرة وزير وإكرام ضيف.
لكن الله غالب !!
الخميس الموافق الخامس عشر من فبراير لعام 2007
يرحل العملاق بادي محمد الطيب، يُودع الفانية بعد عمر ناهز السبعين بمسقط رأسه بحلة عباس.
إتفقنا وبمعية أصدقاء ودفعة الجامعة، الأستاذ محمد الأمين الذي أصبح أستاذاً للغة الفرنسية بجامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا، والمتصوف المهذب أحمد الطيب وأبوبكر عبد المتعال الحلفاوي السليط، ومحمد الطاهر الصحفي الرياضي الذي ترك الإعلام والصحافة وتوجه إلى أدغال إفريقيا رد الله غربتهم جميعاً ورد الله غربة الوطن.
قررنا أن نذهب لحلة عباس مسقط رأس الفقيد بادي وبذات الحماس تقابلنا في صبيحة اليوم التالي أمام بوابة الميناء البري بالخرطوم ركبنا الحافلة، لنصل إلى حلة عباس قبل صلاة الجمعة، تدفعُنا محبة العظيم بادي ولكننا أيضاً ذهبنا لنعزي زميلنا وصديقنا الدكتور محمد دفع الله الطيب ،، أبن أخ بادي ،، هو أبن العم دفع الله الرجل البشوش الجميل الذي يحكي قصصاً بسردية أهل القرية الذين يتسامرون في ميداين الحلة، التي تكون إضاءتها مستمدة من إكتمال القمر، وللذين لا يعرفون دفع الله فهو باشممرض وفنان وعازف وكورس أساسي في فرقة إخيه بادي.
وعند وصولنا لاحظتُ أن هنالك صيوان كبير يتوسط المكان وصواليين الحلة تفتح أبوابها في بعضها البعض.
ادينا واجب العزاء وقبل أن نجلس والمكان مكتظ والعدد كبير جداً، ويعلو صوت (حرّم وطلّق ووالله العظيم وعلي الطلاق).
الجميع مهتم بالضيافة وإكرام جموع المعزيين أكثر من اي شي وكسائر اهالي الحلاويين وعموم أهل الجزيرة الخضراء ،، تمت مضايرتنا سريعاً في ديوان طرفي، برندة مفتوحة ومنها إلى الديوان الرئيسي، (الأباريق في الحوش ما تديك الدرب)، والصيوان ملئ بالفرشات، الموائد تأتي تباعاً، سيل من الشباب يحملون الصواني، رغم هذه الاعداد الكبيرة من المعزيين الذين أتوا من كل حدب وصوب. الا أن أصرار الشباب الذين يقف كل واحد منهم على رأس صينية حرس لا يتحرك يمارس سطوته وسلطاته مطلقة، يحلف الحرام والما حرام، يكرر طلاقه بزواج أو دون زواج، لن تستطيع الفرار فهو جاهز للزيادات إياً كان نوعها، ده غير كيس العيش الماكن.
أكلنا وشبعنا وشربنا الشاي والقهوة وكأننا مدعوون لهذا للفطور تحديداً.
بعد صلاة الجمعة قررنا أن نرجع أدارجنا، جلسنا في الحافلة جميعنا في إنتظار السائق الذي جاء معه شابان وبدأ الجميع في توجبه الاتهامات لنا، عيب عليكم تسافروا وقت الغداء، وبدأنا في مغازلتهم أننا لا يمكن أن نأكل وجبتين خلال ساعة، حتى خضعوا لسياسة الأمر الواقع.
وبعد دقيقتين ومن على البعد حضر إلينا رجع طويل القامة بشنب غليظ يحمل عصا وحلف طلاق (لو ما اتغديتو حرّم ما تمشوا) نزل الجميع سريعاً وتم تجهيز ست موائد وجلسنا بنفس الحراسات السابقة وبدأ مشوار الاقناع والحلائف.
شبعنا حد التخمة وامتلأت بطوننا تماما ً، حقيقةً توجست من أن يأتي أحدهم ليمنعنا من الذهاب ويحلف أن نبيت، بعد إرضاءهم فرداً فرداً خرجنا من حلة عباس تحُفنا الدعوات الطيبة، ودعناهم وداع الأهل كباراً وصغاراً ووقفوا يشاهدون الحافلة وهي تغادر الى أن غابوا عن الرؤية، رافقنا صديقنا محمد دفع الله الذي كان لديه إمتحان مهم في الجامعة، كان يمدح النبي صلى الله عليه وسلم طوال الرحلة، أنشد وتغنى حتى وصلنا، كانت رحلة بروح وطعم ورائحة بادي محمد الطيب وطيبة وكرم ونبل إنسان الجزيرة الخضراء.

*الصورة*
لحوش الحاجة بثينة (متعها الله بالصحة والعافية) جدة زوجتي أريج بمدينة بارا.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى