
صفقة الغاز التاريخية بين مصر وإسرائيل: شراكة استراتيجية أم ورقة ضغط إقليمية؟
صفقة الغاز التاريخية بين مصر وإسرائيل: شراكة استراتيجية أم ورقة ضغط إقليمية؟
وكالات : جسور
اعلنت الحكومة الإسرائيلية رسمياً عن إبرام اتفاقية غاز مع مصر، وصفتها بأنها الأكبر في تاريخ إسرائيل، لتشكل نقطة تحول في معادلات الطاقة بمنطقة شرق المتوسط والعلاقات الثلاثية بين إسرائيل ومصر والولايات المتحدة. وتُقدر قيمة الصفقة بـ 35 مليار دولار، وتحمل أبعاداً اقتصادية وأمنية وجيوسياسية واستراتيجية واسعة النطاق، خاصةً فيما يتعلق بقطاع غزة وتوازن القوى في المنطقة.
تفاصيل الصفقة وأبعادها الاقتصادية:
وبحسب تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فإن الاتفاقية الغازية بين إسرائيل ومصر تتمحور حول حقل ليفياثان الغازي، وتنفذها شركة شفرون الأمريكية. ويبلغ حجم الصادرات المتوقعة 130 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، وتقدر القيمة الإجمالية بـ 112 مليار شيكل (حوالي 35 مليار دولار). وتعتبر الصفقة من وجهة النظر الإسرائيلية، تثبيتاً لمكانة إسرائيل كمنتج رئيسي للطاقة في شرق المتوسط ومصدر دخل مستدام لعقود قادمة. أما بالنسبة لمصر، فإن الاتفاقية تأتي في إطار استراتيجيتها للتحول إلى مركز إقليمي للغاز، خاصةً مع البنية التحتية لتسييل الغاز في إدكو ودميات.
اعتبارات أمنية وتأخير في التنفيذ:
والملفت، أن تنفيذ الاتفاقية تأخر لعدة أشهر بأمر مباشر من نتنياهو. وأشارت مصادر إسرائيلية وأمريكية إلى أن هذا التأخير يعود إلى اعتبارات أمنية وجهود نتنياهو للحصول على المزيد من الضمانات. وصرح نتنياهو صراحةً أن الصفقة لم تكتمل إلا بعد ضمان المصالح الأمنية الحيوية لإسرائيل، وهو تعبير يشير عادةً إلى أمن المنشآت الغازية من تهديدات المقاومة الفلسطينية، والسيطرة على مسارات التصدير، والتأكد من توافق مصر مع الاعتبارات الأمنية الإسرائيلية فيما يتعلق بقطاع غزة.
الدور الأمريكي:
وبحسب وسائل الإعلام الإسرائيلية، لعبت الضغوط الأمريكية دوراً حاسماً في إتمام الصفقة. فمن جهة، تدعم واشنطن مصالح شركة شفرون وأمن استثماراتها في مجال الطاقة، ومن جهة أخرى، ترى أن هذه الاتفاقية أداة لتعزيز التقارب بين إسرائيل ومصر، واحتواء نفوذ اللاعبين المنافسين في سوق الطاقة الإقليمي، وتثبيت المعمار الأمني المرغوب فيه للولايات المتحدة في شرق المتوسط.
مخاطر سياسية محتملة لمصر:
ومع الاستفادة الاقتصادية، تواجه مصر تكاليف سياسية محتملة في العالم العربي والرأي العام الداخلي. فالصفقة ليست مجرد اتفاق اقتصادي، بل أداة لتعميق الاعتماد المتبادل الأمني بين مصر وإسرائيل. فإسرائيل تستخدم الغاز الطبيعي ليس فقط لتحقيق الدخل، بل لخلق نفوذ سياسي على جيرانها. وبدون ضغط ودعم واشنطن، كان عبور العقبات الأمنية والسياسية لهذه الصفقة أمراً صعباً.
ارتباط غير مباشر بقطاع غزة:
وترتبط هذه الصفقة بشكل غير مباشر بوضع قطاع غزة. فأمن حقل ليفياثان يتطلب سيطرة مشددة من إسرائيل على البيئة المحيطة بقطاع غزة. وزيادة الاعتماد المصري على الغاز الإسرائيلي قد يحد من هامش المناورة القاهرة في الوساطة المستقلة في غزة. وقد تستخدم إسرائيل ورقة الغاز للضغط بشكل غير مباشر على التطورات المتعلقة بقطاع غزة.
مشروع جيوسياسي ذو أبعاد متعددة:
إن اتفاقية الغاز بين مصر وإسرائيل ليست مجرد صفقة اقتصادية، بل مشروع جيوسياسي ذو طبقات أمنية وسياسية واستراتيجية. وقد تساهم هذه الصفقة في تثبيت مكانة إسرائيل في معمار الطاقة في شرق المتوسط، وزيادة الاعتماد المتبادل بين مصر وإسرائيل، وتعزيز دور الولايات المتحدة كمهندس لهذا النظام الجديد. وفي الوقت نفسه، ستكون لها تداعيات على قطاع غزة والتوازن الإقليمي.
وتعمل القاهرة بوعي على تعزيز استراتيجية الفصل بين المجالات: التعاون الاقتصادي والطاقة مع إسرائيل، والحفاظ على مسافة سياسية وتجنب التداخل الرمزي، والتأكيد على الدور المستقل لمصر في القضية الفلسطينية. وتهدف المواقف الرسمية المصرية إلى إنكار أو تقليل هذا الارتباط على المستوى الخطابي، رغم أن هذا الفصل هش في الواقع.