
تأملات
جمال عنقرة
استقبل السودانيون خبر تعيين الدكتور كامل الطيب ادريس بكتابات كثيرة بين مادحة وقادحة، وكتب كثيرون من خلال معرفتهم للرجل العامة والخاصة، إلا ان اكثر الذين كتبوا لا يعرفون عنه اكثر من كونه كان رئيساً للملكية الفكرية في سويسرا، ومثل هذه الكتابات ليس لها وزن في المدح او القدح، وقبل ان أقول أي شيء عن معرفتي به، اعتقد ان مجرد إعلان رئيس وزراء كامل الصلاحيات فتلك خطوة مهمة جدا، وتعتبر اهم خطوات مسيرة إصلاحات كثيرة مطلوبة.
اول هذه المزايا المهمة أنها تفتح الطريق لعودة السودان الي المحافل الإقليمية والعالمية بقوة، وأولي تلك الخطوات المهمة في هذا الشأن استئناف عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي، وهذه الخطوة تعين الاتحاد علي اتخاذ خطوات اكثر أهمية تدعم قضية السودان العادلة.
اما علي المستوى الداخلي، وذلك هو الأهم بث الروح في الجهاز التنفيذي، والذي اوشك ان يموت بسبب الوضع الشاذ الذي كان فيه، فهي تفتح الطريق لتعيين وزراء أصيلين، سواء كانوا من الطاقم الحالي، او من الذين ينضمون فيما بعد من الذين يرشحهم السيد ادريس لمعاونته في حمل أمانة التكليف، ومن بركات هذه الخطوة القرار الذي اصدره السيد رئيس مجلس السيادة امس ورفع بموجبه إشراف اعضاء مجلس السيادة علي الوزارات.
وفي شأن اعادة تشكيل مجلس الوزراء نتمني ألا يفرض السيادي اسماء معينة للسيد رئيس الوزراء، سوي وزارتي الدفاع والداخلية، ومطلوبات سلام جوبا، ونتمني ألا يستعجل الدكتور كامل في الترشيح، فليتعرف اولا علي مقدرات الوزراء الحاليين، فبعضهم لم تكن مشكلة الأداء وضعفه بسببهم، ولكنها كان بسبب الوضع الغريب الذي كانوا فيه، فليمنح نفسه فرصة لمعرفتهم، وللتعرف علي اخرين ايضاً، ثم بعد ذلك يقرر في شأنهم، من يصلح منهم وزيرا يبقيه وزيرا، ومن يصلح وكيلا يرده وكيلا، ومن لا يصلح لهذا ولا ذاك، يودعه، ويستودعه الله تعالي، ويرشح بديلا له ثلاثة اسماء يختار مجلس السيادة واحدا منهم.
اما بالنسبة لمعرفتي له، فلقد تعرفت عليه اول مرة قبل نحو ثلاثين عاما عن طريق صديق مشترك هو ابن خالتي الحبيب الشاعر الأنيق التجاني حاج موسي، وكانت تربطني بأسرتهم علاقات قديمة، لا سيما شقيقيه فريد وعزالدين، وكان لصديقي الوفي الراحل علي المادح دور كبير في ذلك، وكنا نلتقي دائما في مناسباته الخاصة وفي الأعياد وفي بيت الحاج محمد احمد المادح جار بيت الاسرة الكبير في بيت المال عند مدخل كوبري شمبات من ناحية ام درمان، وتعرفت علي والدتهم الظريفة صاحبة القصص الطريفة لها الرحمة والمغفرة، ومن طرائفها الظريفة أنها اصيبت مرة بكسر في رجلها، فذهبوا بها الي استشاري العظام المشهور الامدرماني الظريف مستر عبد المنعم الشفيع، فسالها مستر الشفيع (كسرك شنو؟) قالت ليه (وقعت) فسالها ثان (وقعت وين؟) فردت عليه (وقعت في خط ٦)
واذكر في عام ٢٠٠٤م جاء دكتور كامل السودان في عطلة، وكان قد اصدر كتابه المشهور (السودان ٢٠٢٠) واهداني منه نسخة، وكان اشبه في فكرته لكتاب عبقري ماليزيا الدكتور مهاتير محمد، ولما وجدت في الكتاب رؤي متقدمة نظمت له جلسة مدارسة عن طريق صحيفة (الازمنة) التي كنت انشرها في ذاك الزمان، ونظمت المدارسة بالتعاون مع شريكي الاستراتيجي الاتحاد العام لنقابات عمال السودان، في دارهم العامرة تقاطع شارع الجمهورية مع شارع المك نمر، وحشدنا لها حشدا نوعيا مميزا، وأدارها صديقي الدكتور معاوية ابو قرون،
بعد ذلك منحته جامعة الامام المهدي الدكتوراة الفخرية، في عهد اخي البرفيسور عبد الرحيم عثمان – رد الله غربته – واقامت احتفاء فخيما في مقر الجامعة في كوستي، وكنت وقتها أتولي ادارة فرع الجامعة في ام درمان، فرافقت دكتور كامل في تلك الزيارة، وبعد الاحتفال قضينا يوما جميلا في ضيافة شركة كنانة، وفي الصباح تفضل علينا مدير كنانة السيد النذير بطائرته الخاصة أعادتنا الي العاصمة، وفي ذاك اليوم وصل سائق سيارتي المحترف القدير قاسم ادريس ام درمان في نفس زمن الطائرة، لم تسبقه بأكثر من نصف ساعة
جمعني ايضاً مع الدكتور كامل ملتقي السلام الذي أسسه صديقنا المتميز الدكتور عصام صديق المبدع في اكتشاف اسرار الصمغ العربي (المن والسلوي) وصاحب نظرية البكور، واذكر جلسة مهمة جدا جمعتنا والدكتور عصام صديق واخي ورفيق دروب عدة الاستاذ محجوب عروة، والدكتور كامل ادريس مع الامام الراحل السيد الصادق المهدي في بيته في الملازمين نقلنا له نجاحنا في جمع كل قوي السودان السياسية الحاكمة والمعارضة، بما في ذلك فاعلين في المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، وكان من المشاركين من المؤتمر الوطني السفير الشفيع احمد محمد الذي كان يتولي الأمانة السياسية ومن الحركة الشعبية الدكتور لام أكول والراحل العميد أروك طون أروك ، وطلبنا منه ان يقود مبادرة شعبية بهذه القوي، ولكنه طلب مزيدا من الزمن لكسب توقيع مولانا السيد محمد عثمان الميرغني، رغم انً الاتحاديين كانوا موجودين في الملتقي، وكان الراحلان مولانا تاج السر محمد صالح، والأستاذ عثمان عمر الشريف كانا من المؤسسين للملتقي، إلا ان الانتظار طال الي ان عاد مولانا بعد اتفاقه منفردا مع المؤتمر الوطني في نداء القاهرة، وضاعت فرصة ما كان لها أن تضيع.
نسأل الله التوفيق والسداد للأخ الدكتور كامل الطيب ادريس، وان يكون سببا في عبور بلدنا اهم واخطر امتحان تتعرض له.