
محمد عبدالقادر رئيس تحرير صحيفة«الكرامة» يكتب : “بندقية البرهان”.. و”لساتك القحاتة”
أقام الفريق أول عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة، دنيا “القحاتة” ولم يُقعدها بخطابه أمس أمام مؤتمر الخدمة المدنية في مدينة بورتسودان.
الخطاب دشّن مرحلة جديدة من تاريخ السودان، وأجاب على كثير من الأسئلة والهواجس المرتبطة بتحالفات البرهان القادمة ومعايير اختيارها. أفضل ما فعله رئيس مجلس السيادة أنه نعى “دولة قحت”، وألقى بمرحلتها البائسة في مزبلة التاريخ، وحرّر لها شهادة وفاة رسمية.
ثارت ثائرة “القحاتة” الذين سطوا على ثورة السودانيين واختطفوها بليل، ودشّنوا بها فصلًا أسود في تاريخ بلادنا، انتهى بنا إلى ما نعيشه اليوم من حرب قضت على الأخضر واليابس.،وتتحمّل قوى الحرية والتغيير كامل المسؤولية عمّا حاق بالسودان من مآسٍ وكوارث ما كان لها أن تحدث لو أحسنوا قيادة المرحلة الانتقالية، وأسسوا بها لسودانٍ معافى من أمراض الإقصاء والتمكين، ومارسوا قدرًا من التسامي على العصبية الأيديولوجية، وابتعدوا عن تصفية الحسابات و”فشّ الغبينة” و”خراب المدينة”.
شيّع البرهان بخطابه أمس “مرحلة قحت” إلى مثواها الأخير؛ فقد علمنا أنها “ماتت وشبعت موتًا”، غير أنّ الخطاب مثّل إعلانًا رسميًا للوفاة،ماتت قوى الثورة في وجدان السودانيين حينما قرّرت ركوب “دبابة حميدتي”، وارتضت أن تكون حاضنة للجنجويد، تُقاسمهم الجرائم وتُشاطرهم وِزر الانتهاكات التي حدثت للشعب السوداني.
تأخّر خطاب البرهان كثيرًا في إعلان نهاية “دولة قحت”، وإعادة المجد للبندقية من “اللساتك” التي كانت شعاراً لأغبى مراحل السياسة في السودان… على أيام المتاريس والتمكين وضياع البلد،تمنّينا أن يعود الوطن من بؤس القحاتة منذ لحظة انهيار الشراكة “بين العسكر والمدنيين” الناشطين، في الخامس والعشرين من أكتوبر 2021.،وتباطؤ البرهان في هذا الملف لا يصلح القول فيه: “أن تأتي متأخرًا”، لأنه تساهل جرّ على السودان أبشع حرب يشهدها التاريخ.. ولكنها أقدار الله.
فقد تسبّبت “مهلة الريّس” في فتح نوافذ الشرّ على أمن البلاد، وهي التي مكّنت “القحاتة” من تقديم رعاية سياسية كاملة للجنجويد، جاءت بفولكر والاتفاق الإطاري الذي أحرق السودان،وقد خيّرنا القحاتة يومها بينه وبين الحرب… فوقعت الحرب، “وما زالوا يسألون: من أشعلها؟!!”
دقّ خطاب البرهان آخر مسمار في “نعش القحاتة” وهو ينعى “دولة اللساتك”، ويطلق الطلقة الأخيرة من البندقية الوطنية إلى صدور العملاء والخونة الذين أورَدوا البلاد موارد الهلاك، وكتبوا على شعب السودان أن يعيش بين مصائر التقتيل واللجوء والنزوح؛ لأنهم ظنّوا أن دبابة المجرم حميدتي ستحملهم حكّامًا إلى القصر الجمهوري.
نعم، فالسودان الذي خبر تآمر “أبناء اللساتك”، لن يرهن مصيره مرة أخرى لعبدة الدرهم والدولار وناشطي السفارات، لأنه تعلّم من تجربة الحرب المريرة أن مسكوكات الثورة من شاكلة “معليش معليش ما عندنا جيش” لم تكن إلا مدخلًا لتفكيك السودان ومحوه من خارطة الوجود.
والقحاتة في “ثورتهم العبيطة” ضد البرهان، يحملون الرجل وزر ما اقترفوه من أخطاء وخطايا جعلتهم خارج الحسابات.،هم لا يُدركون أنه يعبّر بموقفه الرافض لـ”دولة اللساتك والمتاريس” عن جموع الشعب السوداني، الذي ميّز الخبيث من الطيّب بعد تجربة الحرب اللعينة، وتيقّن أن الجيش هو صمّام الأمان، وأن القحاتة ما هم إلا أداة مخابراتية لاجتياح السودان، وإسقاط دولته المركزية وتفكيكه، وتسليمه للأجنبي والجنجويد “تسليم مفتاح”.
نعم، المجد للبندقية؛ لا بفهم تكريس السلطة للعسكر حسب ترويج القحاتة، وإنما باستشعار قيمة الجيش في تقوية الصف الوطني، وحراسة البلد من المغتصبين وأصحاب الأجندة.
بعد كل هذه الحرب، وما ذاقه الشعب السوداني من مآسٍ وانتهاكات وجرائم استهدفت أرواحه ودماءه وأعراضه وممتلكاته، لم يعُد هناك أي سبيل للمقارنة بين بندقية البرهان و”لساتك القحاتة”.
صحيفة_الكرامة