الأعمدةتأملات

مصر .. الزول الصديق بي اسمه ماهو صديقك

تأملات
جمال عنقرة

علي أيام الأصالة والرزانة كان فنانو الحقيبة، ومطبربو الغناء الشعبي هم ملوك الحفلات، عندما كان رقيص الرقبة هو الرقيص (جات تعوم بصديرها هي الرايقة) زمن كانت العروس ترقص مغمضة العينين ، وكن في كثير من الأحيان لا يشاهدن العريس إلا في السباتة (العريس قمرة فتحي شوفيه) وكان من ملوك طرب ذاك الزمان خلف الله حمد، وبادي محمد الطيب ، ومبارك حسن بركات، ومحمد احمد عوض، ومحمود علي الحاج، وعبد الله محمد، وكمال ترباس ، وعبد الوهاب الصادق، والنعام ادم، وعثمان اليمني، وغيرهم، وكانوا يبدعون في (الكسرات) و(الرميات) والكسرة هي أغنية خفيفة مرتجلة يقدمها الفنان عندما ينتهي الفاصل الغنائي وتكون هناك بنات لا زلن يرقصن في السباتة، وأشهر الكسرات كسرة الفنان العبقري ابراهيم الكاشف (خدك السادة ولونك الخمري خلقوك يا روحي لي ودار عمري .. الحبيب وين قالوا لي سافر) اما الرمية فهي التي يمهد بها الفنّان ويهيئ بها الحضور ويستعرض فيها ملكاته الصوتية قبل الدخول في الغناء ، وكان الفنان اليمني يبدع في الرميات، ومن الرميات التي اشتهرت (التوب الشبك والستو دايما شابكانا والعايز ينشبك يرمي شبكته معانا) ومنهن رميتنا هذه (الزول الصديق بي اسمه ماهو صديقك لكن الصديق الشاركك في ضيقك .. في كل الصعاب تلقاهو ديمة رفيقك والناس تتوهم تقول ده اخوك شقيقك)
هذه الرمية ظلت عندي خالدة وحية ومتجددة، وكثيرا ما اجد اشخاصا يذكروني بها، فارددها، ولقد وجدت خلال مسيرتي في الحياة التي لم يبق بينها وبين تمام العقد السابع شى يذكر، وجدت عشرات، قد يبلغون المائة او يزيدون تنطبق عليهم هذه الرمية، من اهلي وزملائي في الدراسة وجيراني في الأحياء التي سكنت فيها، ومن زملاء المهنة في الصحافة والإعلام، ومن قطاع الثقافة والأدب والفن، ومن السياسيين ومن رجال الأعمال ومن شيوخ الطرق الصوفية، ومن كل التيارات الإسلامية ومن غير المسلمين كذلك، لكنني لما أتجاوز تجربتي الشخصية وانظر بمنظار الوطن، لا اجد غير دولة واحدة، وشعب واحد، تصدق عليهم تلك الرمية .. مصر اخت بلادي الشقيقة، واهلها الحلوين، ولقد تعزز هذا الإحساس عندي اكثر وانا استمع قبل أيام لكلمة مندوب مصر الدائم في الأمم المتحدة، وكنت أتابع كلماته بشغف واهتمام شديد، وأكثر ما هالني في كلمته رغم طول زمنها انه لم يذكر فيها قضية واحدة، ولا هما واحداً من هموم مصر الكثرة، واكتفي فقط بتقديم قضية بافضل مما يمكن ان يقدمه السودانيون، وتحية خاصة في هذا المقام لمندوب السودان في الأمم المتحدة السفير الحارث ادريس الذي ابلي بلاء حسنا في هذا الموقع اثبت به وطنية الانصار وحزب الأمة ومسح به كثيرا من عار الخونة الذين باعوا تراث وأمجاد الأجداد بثمن بخس، الذين نسوا كرري والشكابة، وتحية اكثر خصوصية للشعب الإرتري وللرئيس الشامخ أسياس افورقي، ونحيي دول وشعوب صديقة هبت لنصرتنا، وساندت مواقفنا.
وتبقي مصر هي اخت بلادنا الشقيقة، ولولا ان صديقي الحبيب معالي السفير العظيم هاني صلاح سفير مصر في السودان ، او سفير السودان في السودان علي قول صديقنا المشاغب بفهم محمد عثمان الرضي، فلولا ان هاني لا تعجبه (شكرا مصر) وهو يري ألا شكر بين الإخوان علي واجب، لقلت شكرا مصر، ولكن أقول ما قاله الرئيس السيسي مرة للرئيس البرهان (نحن ما لناش غير بعض) واقول ما قلته من قبل ان السودان ومصر مثل شجرتين متجاورتين إذا ما هبت اعاصير ومالت احداهما تسند علي الاخري، ولا تسقط ارضاً وكثيرا ما سندت مصر علي السودان مثلما يسند السودان علي مصر الان، والعشم المرتجي ان تتشابك الأيدي هنا وهناك، شعب وحكومة، وننهض معا، ونشمخ ونسود، ولدينا ما يؤهلنا لذلك بفضل الله القادر القدير.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى