
مصر يا أخت بلادي ياشقيقة
عمق آخر
هاشم الفكي رضوان
منذ الصبا ومابعد الطفولة..تباين في المواقف المحسوسة ونبرات تخرج من أمهاتنا وأجدادنا أجدها دائما متقاربة في اللهجة المصرية..لااريد أن استعرضها ولكن الكثيرون يعلمها وهي مفردات في أوساط المجتمع السوداني وفي بعض الاحياء العريقة ممايعني ويؤكد أن هناك إنصهار مابين شعبي وادي النيل عبر أزمنة طويلة ومتتالية وكم من زيجات استقر بهم المقام داخل السودان من مصر ممايعني أن تلك الثقافة هي حاضرة بكل مكوناتها التقليدية واستطاعت المراءة المصرية أن تتوافق مع الأجواء السودانية وانجبت ابناء كان لهم القدح المعلى في توسيع دائرة العلم وبرزوا بشكل كبير فكان الإحساس متلازما والإعتراف بالإنسجام هو عنصر لاإختلاف فيه وليس من السهل الخروج من عباءته لأنه أصبح أمرا لايجوز أن نشكل له فهما غير أنه تمازج تاريخي قابع في سجلات شعبي وادي النيل من حيث الموروث المتناقل من جيل لآخر ومهما تعاقبت السنوات إلا أن هناك ترسيخ في مجرى الدم ناهيك عن الإرتباط على مجرى النيل وتلك معايير جغرافية متناغمة على واقع الشعبين المصري والسوداني ممايعني أنه إمتداد طبيعي لايمكن إزالته أو التقليل من منظومة تاريخ الشعبين ويبقى الحال على ماهو إلى قيام الساعة.
أقول..التداعيات التي جعلتني اتطرق لهذا الإرتباط هي متواليات زمانية ومكانية وبدأتُ أتفاعل مع التاريخ فوجدتُ أن هناك حواس روحانية مشبعة في حركات شخصية أبناء وادي النيل وكنت استمع لكبارنا في ستينيات القرن الماضي بأن مصر والسودان شعب واحد متقارب في كثير من العادات والتقاليد خاصة في أقصى شمال السودان وجنوب مصر وتجد كل الأشياء متقاربة والإحساس الواحد في معطيات الحياة ليس فيه فوارق واضحة..هذا الأمر جعل التنقل بين الشعبين أمرا ميسورا خاصة في بداية القرن التاسع عشر حيث الهجرة لاكتساب العلم من الأزهر الشريف بشكل كبير ثم تعاقبت بعد ذلك وأذكر أنني اطلعت على إحصائية في إحدى المجلات تحديدا مجلة روزا اليوسف عبر تقرير إحصائي يؤكد أن الإقبال للعلم من السودانيين في مصر يعد من الأرقام الكبيرة وكان طالب العلم في الأزهر الشريف من السودانيين يحسب من أبرز المتفوقين في علوم الدين ومن ثم تزايد الإقبال في العلوم الأخرى كالطب والفن وغيرها من العلوم…إذاً هناك إرضاءات نفسية صنعها تاريخ الشعبين..وكم أسعدني بأن الشعب السوداني في نكسة عام 1967كان مهموما بهذا الحدث المفاجئ وعندما زار الرئيس جمال عبدالناصر السودان في تلك السنة المظلمة في تاريخ مصر خرجت العاصمة السودانية عن بكرة أبيها لاستقباله فقال خطابه المشهور من ضمنه تلك الجملة أو مامعناها.. (كيف لشعب يستقبل رئيسا مهزوما)هنا إلتحمت الأحاسيس القومية وتصاعدت روح الإنتماء في أعلى درجاتها فأصبح الوفاء مسحة جمالية بين شعبي وادي النيل حتى جاءت اللحظة الحاسمة في عام 1973بعد وفاة جمال عبد الناصر بعامين في زمان الرئيس أنور السادات إحساس أعطى للإرتباط دفعة قوية لايمكن إختزانها أو نسيانها لأنها جوهرة مضيئة بقيت في تاريخ الشعبين بهذا الجمال.
أقول..البعد السياسي في هذا المقال لايتوفر لأنني أتعامل وفق مشاعر وجدانية لها مقدساتها في إطار التلاقي الإنساني بروح بثها الوجه الديني المشرق في التعامل بين الشعوب المتحابة والمتقاربة فبين مصر والسودان مساحة مضيئة لايمكن أن تنقطع بل ستظل متماسكة على مبادئها القديمة الثابتة وقيمها الجمالية التي تناهض الانشقاق منذ زمان بعيد ولايمكن هزمها أو اقصائها لأن العيون تنظر إلى الأفق البعيد بنظرة أساسها التقارب في وجهات النظر لنهضة وتطوير وادي النيل العريق.
*آخر العمق
أعجبتني بقدر كبير كلمة الرئيس السيسي في لقاء جامع (هؤلاء هم ضيوفنا….)هزتني تلك المقولة لأنها تعني استرسال روح الشعبين في هذه الكلمة العميقة والمتجذرة…
وأعجبتني كوكب الشرق عندما زارت الخرطوم في شتاء 1968وحست بأنها في حالة من السعادة وشاركت مهنئة بتفاعل في إحدى مناسابات الزواج بأمدرمان وقالت أتمنى أن أعكس هذه السعادة في عمل غنائي فكانت أغنية اغدا ألقاك للشاعر السوداني الراحل المقيم الهادي آدم.. وتبقى رائعة الكابلي مصر ياأخت بلادي ياشقيقة تجسيدا لعلاقة أزلية لاتتأثر ولاتتكسر لأنها قامت على ثوابت تاريخية منبعها صلة الرحم.