
« ناقوس الخطر،،،،، الحصبة »
روشتة في بريد الاسرة
اختصاصي الصحة العامة اسماء قسم الله
الحصبة (Measles) مرض فيروسي حاد وشديد العدوى، ينتقل بسهولة فائقة عن طريق الرذاذ التنفسي (السعال أو العطس)، يصيب الأطفال عادةً، أعراضه الرئيسية الحمى الشديدة، السعال، سيلان الأنف، احمرار العين وطفح جلدي مميز يبدأ عادةً على الوجه ثم ينتشر للجسم.فالحصبة مرض خطير يمكن أن يؤدي إلى مضاعفات دائمة مثل تلف الدماغ، العمى، وفقدان السمع، خاصة لدى الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية.
جدار يتآكل بصمت لسنوات طويلة، اعتقدنا أننا أعلنا النصر النهائي على الحصبة، ذلك المرض الطفولي المدمر الذي كان يحصد الأرواح قبل عقود. لكن تحت ستار هذا النجاح، كان جدار دفاعنا الأعظم “حماية القطيع” يتآكل بصمت. لم تعد الحصبة اليوم مجرد ذاكرة من الماضي؛ بل هي واقع مرير يتجلى في أعداد الإصابات المتزايدة، معلناً أن التقاعس قد أخذ حقه. إنَّ قرار ولي الأمر بعدم تلقيح طفله، والذي يُنظر إليه أحياناً كخيار فردي، يتحول فجأة إلى تهديد للأمن الصحي الجماعي وفي هذا المقال نسلط الضوء ليست مجرد رصد لعودة مرض، بل هي تحليل لكيفية تحول السلوك الفردي المغذى بالمعلومات المضللة إلى مسؤولية اجتماعية مهملة، وكيف يمكننا إعادة بناء درع الحصانة قبل أن ينهار بالكامل “حماية القطيع” إن مفهوم حماية القطيع (Herd\ Immunity) هو حجر الزاوية في الصحة العامة الحديثة و هو حماية شخصية، لحماية مجتمعية تحدث عندما يتم تلقيح نسبة كافية و عالية من السكان ضد مرض معين، مما يوقف سلاسل انتقال العدوى بشكل فعال، بالنسبة لمرض شديد العدوى مثل الحصبة، فإن الرقم السحري للحماية يقع بين (92% إلى 95%) من السكان. إذا انخفضت نسبة التلقيح تحت هذه العتبة، تنكسر السلسلة وتصبح التجمعات السكانية (الأحياء، المدارس) قابلة للاختراق و الأهم من ذلك، أن الهدف الأساسي من جدار المناعة هو حماية الفئات المستضعفة التي لا يمكنها تلقي اللقاح بسبب صغر سنها (الرضع) أو حالاتها الصحية (مرضى السرطان أو ضعف المناعة). وبالتالي، فإن تلقيح طفل يتمتع بصحة جيدة هو عمل تضامني لحماية حياة طفل مريض. فمن الشك الفردي إلى الانهيار الجماعي بالتقاعس الفردي يحدث هذا الضرر الواسع؟
بعد عقود من السيطرة على الحصبة، لم يعد الجيل الحالي يرى مدى خطورة المرض، مما أدى إلى الاستخفاف بضرورة اللقاح، يغذي انتشار المعلومات الخاطئة (Disinformation) عبر المنصات الرقمية تردد الوالدين ويشجعهم على اتخاذ قرارات متسرعة مبنية على نظريات غير علمية، متجاهلين الإجماع الطبي العالمي، فعندما يتراكم عدد الأطفال غير الملقحين في مدرسة واحدة أو حي سكني، حتى لو كان التخلف عن اللقاح فردياً، فإن المنطقة بأكملها تفقد حصانتها الجماعية وتصبح قنبلة موقوتة لتفشي المرض. وبمجرد ظهور حالة واحدة، تنتقل العدوى بسرعة جنونية لتطال الجميع، بما فيهم الملقحين الذين قد تكون مناعتهم تراجعت قليلاً ويعتبر التقاعس عدوي، الحصبة تدق ناقوس الخطر إن عودة الحصبة ليست مجرد إزعاج صحي عابر؛ إنها تهديد يمس الأمن الصحي القومي والمستقبل، إننا نفتح الباب على مصراعيه لإعاقات كان يمكن تجنبها بجرعة بسيطة عودة ظهور الحصبة يفرض على الأنظمة الصحية إهدار موارد هائلة وطاقات طبية في التعامل مع حالات كان يمكن الوقاية منها، و توجيه الموارد لمكافحة أمراض أخرى أو تطوير خدمات الرعاية الأساسية. يشير التردد في لقاح الحصبة إلى خطر أوسع يهدد برامج التلقيح الروتينية الأخرى، مما قد يفتح الباب لإعادة ظهور أمراض تم القضاء عليها بجهد جهيد مثل شلل الأطفال.
مسؤولية القطيع وبناء درع المستقبل و إعادة بناء جدار المناعة المتصدع ليست مهمة علمية بل تحدٍ سلوكي وأخلاقي، لا يمكن للحكومة وحدها أن تفرض الحماية؛ يجب أن تكون هناك استجابة واعية من كل فرد.
إن تلقيح الأطفال هو عمل تضامني وواجب لا يقل أهمية عن أي التزام مجتمعي آخر فيجب علينا جميعاً أن نتحمل مسؤولية توفير الأمن الصحي للجيران الفئات المستضعفة بالاعتماد على المصادر الطبية الموثوقة وتجاهل الشائعات لضمان استكمال جميع الجرعات للأطفال المقررة في مواعيدها فنرجو من الجميع تسهيل وصول اللقاحات ومكافحة التردد بشكل فعال.
إننا الان أمام مفترق طرق إما أن نستسلم للتقاعس ونترك جدار المناعة ينهار، أو أن نجدد التزامنا الجماعي لحماية أغلى ما نملك. لنجعل من لقاح كل طفل حجراً قوياً يعيد بناء درع الحصانة الجماعية لمجتمعنا ومستقبلنا.
نواصل…..
ودمتم بصحه وعافيه