مقالات

نور الدائم في نهر النيل والشمالية،، إعادة هندسة قطاع التعدين..

حدود المنطق

إسماعيل جبريل تيسو

انهى وزير المعادن نور الدائم محمد أحمد طه والوفد المرافق له، زيارة ناجحة إلى ولايتي نهر النيل والشمالية، زيارة أكدت انتقال الوزارة من الإدارة الورقية إلى المتابعة الميدانية الفاعلة، فقد حرص الوزير على أن تضم جولته إلى أكبر الولايات إنتاجاً للذهب في السودان، كل أذرع الوزارة، وعلى رأسها الشركة السودانية للموارد المعدنية، والهيئة العامة للأبحاث الجيولوجية، في مؤشر واضح إلى رغبة حقيقية في معالجة القضايا داخل مواقع الإنتاج لا داخل المكاتب، وتعكس هذه المقاربة تحولاً في فلسفة العمل الحكومي في قطاع يعد شرياناً حيوياً للاقتصاد الوطني، إذ تستند إلى ربط الخطط المركزية بالواقع اليومي للعاملين، والوقوف المباشر على احتياجات المجتمعات المحلية ومشكلات الشركات وأسواق التعدين، بما يعزز من كفاءة القرار ويدعم فرص الإصلاح، ويعزز من مناخ الاستقرار.

 

لقد شكّلت زيارة وزير المعادن إلى ولايتي نهر النيل والشمالية، فرصة مهمة للوقوف على بعض مشروعات المسؤولية المجتمعية، حيث تفقد الوزير عدداً من المرافق الخدمية والمدارس والمراكز الصحية، كما تفقد الوزير أسواق التعدين، وزار مقر بعض الشركات المنتجة، كما التقى بالعاملين في قطاع المعادن، وقد حملت لقاءات الوزير رسائل طمأنة للعاملين والمعدنين التقليديين والشركات والمجتمعات المستضيفة، بالتأكيد على أن وزارة المعادن ماضية في تحقيق عدالتها التنظيمية وضبط القطاع وفق رؤية الدولة لتحقيق صناعة تعدينية آمنة ومتطورة، وتبقى إشادة الوزير نور الدائم طه بجهود العاملين في قطاع المعادن وهم يبذلون الغالي والنفيس في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد وتثمينه لصمود المجتمعات المحلية، بمثابة تجسيد حي لدور الوزارة في رفع الروح المعنوية لشركاء الإنتاج، وتعزيز الشراكة الوطنية بين المؤسسات الرسمية والمجتمعات المحلية والأجهزة الأمنية المختصة مثل شرطة تأمين التعدين، وأمن واقتصاديات المعادن.

 

وتبرز أهمية الزيارة في دعم توجه الوزير لوضع رؤية مستقبلية واضحة لقطاع المعادن، قائمة على تحديد نسب الموارد في كل مربع تعديني، بما يضمن الاستخدام الأمثل للثروات المعدنية التي تزخر بها البلاد، ويعالج هذا التوجه أحد أكبر تحديات قطاع التعدين خلال السنوات الماضية، حيث غابت قاعدة البيانات الدقيقة وضعفت القدرة على التخطيط الواقعي الذي يوازن بين الإنتاج والاستدامة، إذ يمثل ربط الخرائط الجيولوجية بمشروعات الامتياز والشركات المنفذة نقلة ضرورية نحو بناء قطاع معدني قادر على جذب الاستثمارات الخارجية وتنظيم الاستثمارات الوطنية، وبخاصة أن الوزير أكد أن السودان لم يكن يمتلك في السابق استراتيجية متكاملة للتعامل مع هذا القطاع الحيوي.

 

لقد أظهرت زيارة وزير المعادن إلى ولايتي نهر النيل والشمالية انعكاسات عملية على صياغة مؤشرات استراتيجية جديدة لقطاع التعدين، خصوصاً في ما يتعلق بمحاصرة تمدد التعدين التقليدي “العشوائي” على حساب التعدين المنظم، والعمل على تنظيم المعدنين التقليديين ودمجهم ضمن إطار رسمي عبر لجان مختصة وخبرات دولية، كما تطرقت الزيارة إلى التحديات الأمنية المرتبطة بظاهرة تهريب الذهب والتهرب من دفع العوائد، وهي قضايا تعرقل استفادة الدولة من مواردها الحقيقية، حيث حرص الوزير على التأكيد بمضي وزارته قدماً في تحديث القوانين وتطوير الرقابة باستخدام تقانات حديثة توفرها شركات متخصصة، إضافة إلى التخطيط لتشكيل قوة مشتركة من الأجهزة النظامية لتأمين مناطق الإنتاج، مع إجازة الميزانية الخاصة بالخطة، مما يشير إلى مرحلة جديدة من إحكام الرقابة وتقليل الفاقد وزيادة الإنتاجية وتحسين بيئة العمل.

 

عموماً فقد كشفت تفاصيل زيارة وزير المعادن والوفد المرافق له إلى ولايتي نهر النيل والشمالية، من خلال الوقوف على بعض مشروعات المسؤولية المجتمعية، وتفقد أسواق التعدين، والشركات وسير العمل في المصفاة، وصولاً إلى دعم النازحين، كشفت عن رؤية أشمل من مجرد تفقد ميداني، فهي محاولة جادة وجرئية لإعادة هندسة قطاع المعادن عبر بناء منظومة رقابة حديثة، وتطوير التشريعات، وتنظيم المعدنين، وتعزيز الأمن، وربط الإنتاج بالتحول الرقمي الذي انطلقت تجاربه في نهر النيل، وكشفت الزيارة عن مدى الإدراك السياسي الذي تبديه الدولة لأهمية قطاع الذهب في دعم الاستقرار الاقتصادي للدولة خلال فترة الحرب، ما يفسر إصرار الوزير على أن يكون قطاع المعادن جزءاً من رؤية الدولة لاستعادة السيطرة وتوظيف الموارد في دعم الاقتصاد والدفاع والتنمية، وبذلك تمثل الزيارة خطوة عملية نحو صناعة تعدينية أكثر انضباطاً وشفافية، وأكثر قدرة على خلق قيمة مضافة للاقتصاد الوطني والمجتمعات المحلية  على حدٍّ سواء.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى