
وزيرا خارجية البلدين جددا التعاون لبناء سودان ما بعد الحرب.. السودان ومصر،، شراكة قديمة بعناوين جديدة
تأكيدات مصرية بموقف داعم لسيادة السودان وأمنه ووحدة أراضيه..
جهود مستمرة من القاهرة لإعادة البنية التحتية للجسور في الخرطوم..
د. عبد العظيم: أمن السودان واستقراره، لا يتجزأ من الأمن القومي المصري.
تقرير: إسماعيل جبريل تيسو..
جددت مصر تأكيداتها بالمضي قدماً في بذل جهودها الرامية إلى تحقيق الاستقرار في السودان، وشدد دكتور بدر عبد العاطي، وزير الخارجية والهجرة وشؤون المصريين بالخارج، خلال لقائه نظيره وزير الخارجية السوداني السفير محي الدين سالم، على هامش فعاليات النسخة الخامسة من منتدى أسوان للسلام والتنمية المستدامة، الذي اختتم أعماله مؤخراً بمدينة أسوان، على تضامن القاهرة الكامل مع الشعب السوداني ودعمها لأمنه وسيادته ووحدة أراضيه ومؤسساته الوطنية، ورحب عبد العاطي بعقد ملتقى الأعمال المصري – السوداني الثاني خلال العام الجاري، إلى جانب التحضير لاجتماعات اللجنة التجارية المشتركة في القاهرة، واستقبال وفد من وزارة الاستثمار السودانية بهدف نقل التجربة المصرية في مجال جذب الاستثمارات، واستعرض الوزير جهود مصر في دعم إعادة بناء البنية التحتية في العاصمة السودانية الخرطوم، من خلال تنفيذ مشروع إصلاح وتأهيل كوبري الحلفايا وكوبري شمبات، مؤكداً استعداد مصر للإسهام في تطوير قطاعات الكهرباء والمياه والصحة والتعليم في السودان.
موقف ثابت:
ومنذ اندلاع الحرب التي أشعلت ثقابها ميليشيا الدعم السريع في الخامس عشر من أبريل 2023م، ظلت الموقف المصري ثابتاً من الأزمة، يرتكز على دعم وحدة السودان وسلامة أراضيه، والرفض التام لأي محاولات للمساس بسيادته أو فرض وصاية عليه تحت أي مسمى، وبحسب مراقبين فإن الموقف المبدئي لمصر لم يكن مجرد بيانات سياسية، بل تُرجم على أرض الواقع من خلال جهود عملية في استقبال وإيواء ملايين السودانيين الذين فرّوا من جحيم الحرب ولجئوا إلى مصر، هذا فضلاً عن تأكيدات القيادة المصرية الدائمة باستعدادها للمشاركة في إعادة إعمار ما دمرته الحرب، خصوصاً في العاصمة الخرطوم التي عانت من دمار واسع طال بنيتها التحتية ومرافقها الحيوية.
البنية التحتية:
وتبدو التجربة المصرية باذخة في مجال البنية التحتية الأمر الذي دفع السودان إلى طلب التعاون المصري حتى قبيل انتهاء الحرب عبر تنفيذ مشاريع حيوية مثل إصلاح وتأهيل جسري الحلفايا وشمبات اللذين يمثلان شريانين رئيسيين يربطان مفاصل العاصمة الخرطوم ببعضها البعض، ومن المتوقع أن يستمر التعاون المصري في هذا السياق حتى بعد الفراغ من تنفيذ مشروع جسري الحلفايا وشمبات، لتتم الاستفادة من التجربة التنموية المصرية الضخمة في مجال البنية التحتية من خلال الاستمرار في توظيف الكوادر والخبرة المصرية في مجال شقِّ الطرق وإنشاء الجسور، لصالح وضع السودان على الطريق الصحيح نحو إعادة الإعمار السريع والمنهجي، بحيث يبدأ مرحلة ما بعد الحرب من حيث انتهى الآخرون، مع ضرورة توطيد أواصر الشراكة الفنية بين البلدين في مجالات النقل والمواصلات والإنشاءات الكبرى كمترو الأنفاق.
الخدمات الحيوية:
وبإجماع مراقبين فإن الدور المصري يبرز في قطاع الخدمات الحيوية كعامل دعم أساسي في تطوير الخدمات الضرورية للمواطنين كالكهرباء والمياه والصحة والتعليم، حيث تمثل هذه القطاعات العمود الفقري لأي عملية إعادة بناء ناجحة، وبالتالي يمكن الاستفادة من النموذج المصري في الإدارة الحديثة لهذه القطاعات، عبر الاستعانة بالخبرات المصرية التي حققت نجاحات ملموسة في تقديم الخدمات بشكل متوازن بين العاصمة والمحافظات المصرية، فاعتماد السودان على التجربة المصرية في هذا الجانب سيضمن تحقيق العدالة الخدمية بين ولايات السودان المختلفة والتي تأثر معظمها بالحرب وتداعياتها، وهو أمرٌ سيُحدُّ كثيراً من ظاهرة النزوح إلى العاصمة الخرطوم، ويخلق في الوقت نفسه توازناً سكانياً واقتصادياً يساهم في استقرار المجتمعات المحلية، ذلك أن تحسين الخدمات الضرورية في الولايات الغنية بالموارد والإمكانيات ، سيساهم قطعاً في تعزيز الإنتاج وتعظيم المدخلات والثروات الزراعية والحيوانية والمعدنية، الأمر الذي يجعل التنمية أكثر شمولاً وعدالة.
مطلوبات الاستثمار الناجح:
ولا تفتُر عنق السودان من أن تشرئب لتطلع على التجربة المصرية في مجال الاستثمار وجذب رؤوس الأموال، فلسان الواقع الماثل يقول إن مصر استطاعت خلال السنوات الماضية أن تحوّل بيئتها الاستثمارية إلى واحدة من أكثر البيئات جذباً في المنطقة من خلال تبسيط الإجراءات، وتوسيع المناطق الصناعية، وتحفيز المستثمرين المحليين والأجانب على العمل في قطاعات متنوعة، ولما كان السودان يمتلك إمكانيات مهولة في مجالات الزراعة، التعدين، الطاقة، والثروة الحيوانية، فإن ذلك يجعله مؤهلاً لتجربة استثمارية أكثر ازدهاراً إذا ما تم تهيئة البيئة القانونية والإدارية الملائمة، والاستفادة من الخبرات المصرية في هذا المضمار.
ضرورة استراتيجية:
ويرى الخبير الإذاعي والملحق الإعلامي السابق بسفارة السودان بمصر دكتور عبد العظيم عوض أن الشراكة الذكية بين السودان ومصر لا تُعد في الراهن الماثل خياراً ظرفياً، بل هي ضرورة استراتيجية تفرضها الجغرافيا والتاريخ والمصالح المشتركة، وأكد دكتور عبد العظيم أن مصر تظل الأقرب إلى السودان وجدانياً وجغرافياً، وهي الأقدر على المساهمة في إعادة بناء مؤسساته وبنيته التحتية، بما يفتح الباب واسعاً أمام نهضة سودانية شاملة تضع البلاد على مسار التنمية المستدامة وتعيد للعاصمة الخرطوم وجهها المشرق كرمز للسيادة والوحدة الوطنية، وختم دكتور عبد العظيم عوض إفادته للكرامة بقوله إن اعتماد السودان على مصر في إعادة بناء الجسور، الطرق، وتأهيل الخدمات الأساسية في الخرطوم والولايات ليس فقط خياراً فنياً، بل هو رسالة سياسية تعكس عمق العلاقات بين البلدين، وتأكيد على أن أمن السودان واستقراره جزءٌ لا يتجزأ من الأمن القومي المصري.
خاتمة مهمة:
ومهما يكن من أمر يبقى التوجّه السوداني نحو مصر في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ البلاد خطوة استراتيجية تحمل في طيَّاتها الكثير من الحكمة باعتبار أن مصر، وبما تملكه من خبرات عميقة في مجالات البنية التحتية والخدمات، وما تتمتع به من استقرار مؤسسي، تبدو الشريك الأنسب لمساعدة السودان على النهوض من تحت ركام الحرب، ليكون توجه السودان نحو مصر بمثابة تكامل متجدد لبناء سودان جديد، يستفيد من التجارب الناجحة دون أن يبدأ من الصفر.