تقارير

وكيل المخابرات المصرية السابق حاتم باشات يقدم رؤية مصرية لأزمة السودان.. والتعامل مع الإسلاميين

 

المؤامرة على السودان ومخطط التقسيم بعيون اللواء حاتم باشات ..

على كل من يظن نفسه متابعاً للسياسة في السودان أن يستوعب حقيقة بسيطة ولكنها صلبة كالصخر: الدولة السودانية القائمة اليوم ليست صفحة بيضاء يمكن أن يُعاد رسمها وفق أهواء النخب المجلوبة من الخارج. هذه الدولة هي الامتداد الطبيعي لاتحاد السلطنة الزرقاء وسلطنة دارفور؛ كيانان قاما منذ قرون على شرعية إسلامية أعمق جذوراً من كل الأيديولوجيات المستوردة التي ظهرت لاحقاً.
ولهذا فإن الحراك السياسي الإسلامي في السودان ليس “تنظيماً” يمكن تفكيكه ولا “ظاهرة” يمكن القضاء عليها. إنه جزء من تكوين الدولة ذاتها، سابق للإخوان المسلمين بثلاثة قرون كاملة، وأكثر تطوراً منهم ومن كل الحركات الليبرالية والعلمانية في المنطقة، التي ما تزال—حتى يومنا هذا—تتعثر بين شعارات مترجمة ومشاريع بلا حواضن اجتماعية.
إن من يحلمون باقتلاع الإسلام السياسي من السودان يكررون خطأ ملوك قشتالة في أواخر الأندلس، مع فارق واحد قاتل: الأندلس لم تُنتج مزيجاً بشرياً وثقافياً كما فعل السودان. هنا اختلطت الثقافة الإسلامية بالدم، بالعشيرة، بالعادات، باللغة، بالوجدان الشعبي. أي محاولة لاقتلاع هذا الوجود ليست “مشروع إصلاح” بل مشروع اقتلاع للمجتمع نفسه.
ولذلك، فكل خطابات “الاستئصال” التي يتبناها بعض النشطاء الحداثيين ليست سوى وهم سياسي يقوم على تجاهل التاريخ والجغرافيا والتركيبة الاجتماعية. السودان لم يكن يوماً دولة علمانية فارغة تُحشى بالأفكار عند الطلب. إنه بنية حضارية لها ذاكرة ممتدة، وشرعية دينية وشعبية تسبق وجود هؤلاء جميعاً.
من أراد إصلاحاً سياسياً، فليشتبك مع هذه الحقيقة. أما من يريد محوها، فهؤلاء إنما يقاتلون التاريخ… والتاريخ لا يُهزم.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى