الأعمدةتأملات

أزمة السودان .. الحل في يد الجيش

تأملات

جمال عنقرة

كل الثورات السودانية كان للجيش السوداني فيها نصيب، ابتداء من ثورة اللواء الأبيض عام ١٩٢٤م التي كان وقودها الطلاب الحربيين بقيادة الشهيد عبد الفضيل الماظ، ثم ثورة أكتوبر ١٩٦٤م، وبعدها ثورة رجب أبريل ١٩٨٥م، أما ثورة ديسمبر ٢٠١٨م فالوضع فيها اختلف كثيرا، فالتغيير الذي حدث في الحادي عشر من شهر أبريل ٢٠١٩م كان نصيب العسكريين فيه كبير جدا، ويصح أن يطلق عليه نصيب الأسد، ولكنه يختلف جملة وتفصيلا عن دور العسكريين في الثورات السابقة، فالثورات السابقة كانت المشاركة العسكرية للقوات المسلحة فقط، دون غيرهم من العسكريين الآخرين، بينما في ديسمبر شارك الجيش والأمن والشرطة والدعم السريع، وفي الثورات السابقة كان الجيش يشارك عبر كل أسلحته ووحداته، أما في ديسمبر اقتصرت المشاركة علي اللجنة الأمنية فقط، وبينما كان العسكريون الذين يتصدون للتغيير مهنيين ومن القوات المسلحة، فإن أعضاء اللجنة الأمنية الذين اتخذوا قرار التغيير في أبريل ٢٠١٩م كانت لديهم ولاءات سياسية، وانتماءات قبلية، وارتباطات خارجية، وكل ذلك انعكست ظلاله علي التغيير كله، وعلي مسار الحياة من بعده.
ولم يقف انحراف شكل التغيير في ديسمبر عن مساره الطبيعي المألوف في السودان عند هذا الحد، بل لم تمض علي التغيير أيام معدودة حتى سقط وتساقط كل قادته، ولم يبق منهم غير حميدتي الذي لا يحسب علي المؤسسة العسكرية بكل أشكالها، بل صار هو الأهم بين كل أركان النظام الجديد، ولم تقف أهميته عند كونه صار الرجل الثاني في الدولة، بل صار هو المتحدث والمفاوض باسم الجيش مع السياسيين المدنيين، ومع حركات الكفاح المسلح، ومع الخارج أيضا، وهذا كان من الانحرافات الخطيرة في مسيرة الثورة.
يحسب علي المؤسسة العسكرية في ديسمبر فضلا عن تقديمها لواحد من غير أبنائها للتفاوض باسمها، أنها وضعت نفسها مع الأحزاب السياسية في مقام واحد، وهذا افقدها بعض هيبتها في مرحلة من المراحل، وتهاونت في حسم كثير من المواقف حتى صار بعض الصبية يهتفون “معليش ما عندنا جيش” وكل ذلك حدث بسبب تقديمها لدخيل عليها، وغريب علي ادبها وثقافتها وتعاليمها ليكون مفاوضا باسمها، ففرط في حقوقها، وحقوق الوطن والشعب، وسمح بتدخل خارجي ابعد الأشقاء الموثوقين، وقرب الأعداء المتآمرين، ووضع القرار الوطني في أيدي أحزاب لا قيمة لها ولا وزن، ولا تراعي إلا ولا ذمة، وكان حصاد ذلك الاتفاق الإطاري الذي قاد البلد إلى الحرب اللعينة التي دفع الوطن ثمنها غاليا.
وهنا يصدق علي الجيش السوداني، ومن خلفه كل أهل السودان، يصدق عليهم المثل الذي يقول “الخيل الحرة تظهر في اللفة” فمعركة الغدر والخيانة التي اعد لها المتآمرون ومن خلفهم دولة الشر عدة تحسمها لصالح الاستلاب والاستثمار في ساعة أو ساعتين، حولها الجيش الوطني إلى معركة كرامة ابطلت كل الحسابات، ووقف الشعب خلف قواته المسلحة وقفة رجل واحد، وفضلا عن ما اثبته الجند بكل رتبهم ومراتبهم من بسالة وشجاعة، قدم القادة دروسا عبقرية فن قيادة المعارك غير المتكافئة عدة وعتادا، فبينما كان ميزان القوة في اليوم الأول عشرة مقابل واحد لصالح المليشيا، صار اليوم عشرين مقابل واحد لصالح الجيش والقوات الأخري والقوات المشتركة والمجاهدين من عموم أهل السودان، وصار حسم المعركة عسكريا مسألة وقت ليس إلا بإذن الله تعالي.
المعركة السابقة بكل صنوفها كشفت كثير من الحقائق لا بد من وضعها في الاعتبار قبل اتخاذ اي قرار،
أولا أن هذه المعركة كانت معركة الجيش والشعب وحدهم، وليس في ذلك نكران لجهود الذين نفروا واستتفروا، ولكن قول لا بد من تثبيته حتى لا يتطاول ادعياء النصرة الزائفون الذين يريدون أن يحمدوا علي ما لم يفعلوا، ودون هؤلاء جماهير السودانيين الذين تصدوا لقادة قحت وتقدم في جنيف وباريس والقاهرة، ودبي وكثير من العواصم، وهم من عموم أهل السودان ليست لديهم اي انتماءات سياسية، ولم يستنفرهم احد، ولكنهم خرجوا انتصارا لكرامتهم.
ثانيا ليس في السودان اي تنظيمات ولا أحزاب ولا كيانات سياسية متماسكة، تستطيع أن تدعي القدرة علي فعل شئ، وما يقال عن الكيانات السياسية يصدق علي كثير من المكونات الأهلية والدينية والمدنية، فاكثرها مجرد لافتات يستظل بظلها بعض الوجهاء لينالوا ثمار ما يمكن أن يتساقط من هنا وهناك، وهؤلاء لا خير فيهم ولا كفاية شرهم، ولو كان هناك استثناء فهو لبعض حركات الكفاح المسلح التي اثبتت جسارة وجدارة تغبط عليها، ولا أجد حرجا في أن اذكر بالإسم حركة العدل والمساواة بقيادة الدكتور جبريل إبراهيم، وحركة التحرير بقيادة القائد منى اركو مناوي أبطال ملحمة الفاشر، والحركة الشعبية الجبهة الثورية بقيادة ملك الحكمة والتحدي ملك عقار، اول من التحمتقواته مع القوات المسلحة في معركة الكرامة.
ثالثا رغم تقديرنا لمواقف كثيرين من اشقائنا واصدقائنا ونخص منهم بالذكر القريبين الأقرب، مصر وارتريا وجنوب السودان وقطر والكويت، ولكن ظروف التحديات الإقليمية والدولية لا تتيح لأحد منهم أن يعطي أقصي ما عنده، وما يقدمون محل تقدير وإحترام،
وتأسيسا علي ما سبق، نخلص إلى أن المعركة الآن معركة الشعب والجيش وحدهم، والشعب اعطي وما استبقي شيئا، ثبت وصبر، وناصر، والجيش لو لم يفعل شيئا غير اجتياز حاجز الخطر في معركة الكرامة لكفاه ذلك فخرا وعزا،
مضي الصعب الكثير، وتبقي الأصعب القليل.
والكلمة الفصل عند القيادة العسكرية
وكلمتنا لهم “لا تنازعوا فتفشلوا، وتذهب ريحكم”
ليس عيبا تباين الآراء ولا اختلافها، ولكن العيب التدابر والتنافر، والتشاحن والبغضاء، انتم علي قيادة مركب واحد، وفيها كل الشعب، ننجو معا بإذن الله تعالى، ونغرق معا لا قدر الله،
الخطوة التي طال انتظارها حكومة كفاءات قادرة ومقتدرة، ليس بها محاصصات حزبية ولا جهوية، يقودها رئيس وزراء مشهود له بالكفاءة تؤسس لدولة الحق والواجب،
ومؤتمر عام يمثل فيه كل أهل السودان بلا إقصاء ولا إستثناء يحدد فيه السودانيون ملامح البلد التي يريدون، وكيف يحكمون، وبالله التوفيق والسداد.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى