
إعلام الأعلام والآلام
خبر وتحليل : عمار العركي
لم تعد المشكلة في غياب الإعلام الرسمي كما يكرر البعض؛ فوزارة الإعلام والثقافة، رغم الحرب وانعدام الموارد ودمار البنية التحتية، ظلت حاضرة وتقوم بدورها: إعلامًا، وثقافةً، ومحاولات تطوير مستمرة في أصعب ظرف عرفته الدولة. ووزارة الخارجية أيضًا لعبت دورًا إعلاميًا توجيهيًا مؤثرًا، ونجح وزيرها في تثبيت السردية الرسمية خارجيًا ومواجهة حملات ممنهجة تتطلب قدرًا عاليًا من الكفاءة.
* لكن الأزمة الحقيقية اليوم ليست في إعلام الدولة… بل في إعلام الأعلام: إعلام بعض الكُتّاب والمنابر والمعلّقين الذين باتوا أبعد ما يكون عن مواكبة التحديات، وخصوصًا الحرب الإعلامية التي تُشن على السودان من كل اتجاه. إعلامٌ ينتظر… يترقب… يراقب… قبل أن ينشغل بموضوعات انصرافية، يضخّم القليل السلبي من أداء الحكومة، ويتجاهل الكثير من الإيجابيات التي تُصنع يوميًا في ظل ظروف استثنائية لو وُضعت فيها دول راسخة لانهارت.
* واللافت — حد المفارقة الموجعة — أن الإعلام بات ينتظر البرهان نفسه ليملأ المساحات التي تهرب منها بعض الأقلام. الرجل أصبح في حد ذاته إعلامًا: يقول… يصرّح… يكتب… يغرد… يخاطب الداخل ويؤثر في الخارج، معوضًا غياب الجرأة، وغياب المبادرة، وغياب الخيال لدى من يجدر بهم أن يكونوا في الصفوف الأمامية للسردية الوطنية.
* يكفي أن مجرد اقتراح — اقتراح فقط — لتغيير العلم أشعل ضجيجًا هائلًا؛ أقلام تهتف، وأخرى تهاجم، وثالثة تكتب صفحات وصفحات… بينما تمر ملفات استراتيجية وحساسة بلا كلمة واحدة، وبلا تعليق، وبلا تحليل، وكأنها لا تعني مستقبل الوطن.
* المشهد يصبح أكثر ألماً عندما تخرج أهم دولة في العالم — الولايات المتحدة — على لسان رئيسها “ترامب” لتعلن أنها لا تعرف السودان: لا حكومته، لا تاريخه، لا ثقافته… ثم يأتي الأمير السعودي ليقوم بدور “الإعلام السوداني” أمام العالم ، ورغم هذه اللحظة الذهبية — التي كان يمكن للإعلام استثمارها وتكبيرها وتعزيزها — مرّت كأنها لم تكن.
*خلاصة القول ومنتهاه :*
* الإعلام الذي نحتاجه اليوم ليس إعلام ردّات الفعل… بل إعلام الفعل والمبادرة.
* إعلام يفهم ويعي أن المعركة في السودان لم تعد فقط بالسلاح، بل بالكلمة، وبالسردية، وبمن يُعرّف العالم بما يجري… قبل أن يُعرّفه الآخرون بما يريدون هم.