
الإفلاس الأخلاقي يضرب الأبيض: دلالات استهداف المدنيين بالمسيرات
شئ للوطن
م.صلاح غريبة
Ghariba2013@gmail.com
في خضم المعارك المشتعلة، وبينما تتسارع وتيرة الأحداث في السودان، يبقى استهداف المدنيين والمرافق الحيوية هو المؤشر الأكثر خطورة على انهيار أخلاقي غير مسبوق. إن الهجوم الذي شنته الميليشيا على مدينة الأبيض، حاضرة ولاية شمال كردفان، باستخدام الطائرات المسيرة المفخخة ليس مجرد تصعيد عسكري، بل هو إعلان عن حالة من الإفلاس العسكري والأخلاقي لا تقبل التأويل.
بيان مجلس الوزراء، الذي أدان الهجوم بشدة، وضع النقاط على الحروف حين وصفه بـ “التصعيد الخطير” الذي يضاف إلى سجل الانتهاكات المستمرة للقانون الدولي الإنساني. إن استهداف منشآت حيوية كال المستشفى التعليمي ومستشفى الضمان، إلى جانب الأحياء السكنية ومطار المدينة، يشير بوضوح إلى هدفين رئيسيين، بث الرعب والترويع بمحاولة لكسر إرادة الصمود لدى المواطنين، وإشعارهم بأن لا مكان آمناً من نيران هذا الصراع، والتغطية على الهزائم الميدانية كما جاء في البيان، يُنظر إلى هذا العمل على أنه “محاولة بائسة للتغطية على هزائمها المتلاحقة في الميدان”. فعندما تعجز الميليشيا عن تحقيق انتصارات عسكرية ذات قيمة على الأرض، تلجأ إلى تكتيكات حرب العصابات الإرهابية التي تستهدف “الأهداف السهلة” من مدنيين وبنية تحتية. هذا التحول التكتيكي يكشف عن تراجع قدراتها العسكرية، وتحولها إلى قوة تدمير لا تلتزم بأي من قواعد الاشتباك المعترف بها.
إن استخدام المسيرات المفخخة في استهداف مناطق مدنية له دلالات بالغة الأهمية. فالمسيرة، بطبيعتها، هي أداة لا تميز بين مقاتل ومدني، وتوظيفها لاستهداف مستشفيات أو أحياء سكنية يعكس إصراراً مستمراً على تعريض حياة المدنيين للخطر وتخريب البنية التحتية. هذا السلوك لا يتماشى مع أهداف أي طرف يسعى للحكم أو بناء دولة؛ بل يتماشى مع أجندة التخريب والفوضى.
المستشفيات، بصفة خاصة، هي خط أحمر في كل النزاعات حول العالم. إن قصفها هو انتهاك صريح لكل المعاهدات والقوانين الإنسانية، ويضع مرتكبه في خانة مجرمي الحرب. عدم وقوع خسائر في الأرواح، كما أكدت الحكومة، لا يقلل من جسامة الجريمة، ولكنه يبرهن على لطف إلهي وحسن تعامل الدفاعات، ويبقى الاستهداف في حد ذاته دليلاً على “الإفلاس الأخلاقي” الذي وصل إليه المعتدي.
في المقابل، أكد مجلس الوزراء على “المضي في أداء واجبه الوطني لحماية المدنيين، والتصدي للعدوان، والعمل على استعادة الأمن والاستقرار وترسيخ دولة القانون”. هذه الميليشيا لا تحارب جيشاً وحكومة فقط؛ بل تحارب مفهوم الدولة ذاته ومبادئها في حماية مواطنيها.
إن الهجوم على الأبيض يجب أن يكون نقطة تحول في تعاطي المجتمع الدولي والإقليمي مع الأزمة السودانية. لا يمكن استمرار التعامل مع ميليشيا تمارس الإرهاب بشكل علني وتستهدف الحياة المدنية بهذه الطريقة باعتبارها “طرفاً سياسياً” نداً للجيش. يجب وضع حد لهذا الانتهاك الصارخ، ومحاسبة المسؤولين عنه بموجب القانون الدولي الإنساني.
باختصار، استهداف الأبيض بالمسيرات ليس مجرد خبر عسكري، بل هو صرخة إنذار تكشف عن وجه الحرب القبيح في السودان: وجه يعتمد على تدمير ما تبقى من أمل، وتخريب كل أساس للعيش الكريم. إن الانتصار على هذا الإرهاب لا يقتصر على الميدان، بل يكمن في استعادة الروح الوطنية والأخلاقية التي ترفض هذا التدمير العشوائي، وتتمسك ببناء دولة القانون.