
تأملات
جمال عنقرة
البرهان وصحبه .. لا تنازعوا .. فتفشلوا .. وتذهب ريحكم
انتقل قبل نحو شهر تقريباً او يزيد عضو مجلس السيادة نائب القائد العام للقوات المسلحة الفريق الأول الركن شمس الدين كباشي من البيت المستأجر الذي كان يسكن فيه الي بيت حكومي، وفجاة وبدون مقدمات ضجت الأسافير بأخبار إيحائية تتحدث عن خروج كباشي من بيت بورتسودان، وتباري الكتاب في التحليل والتأويل، بعضهم قال انه يريد انً يسبق الرئيس البرهان ليعود الي سكن القيادة ليسيطر علي الموقف، وبعض آخر قالوا انه خرج مغاضبا لان الرئيس البرهان منع وصول التقارير اليه، وقال اخرون كثير وكثير، وكل هذا ليس امراً طبيعيا، ولكنها حملة منظمة ومرعية لغرس بذور الفتنة بين قادة البلد، ومثل هؤلاء موجودون، ولقد حذر الله سبحانه وتعالي رسوله الكريم منهم (ومن أهل المدينة مردوا على النفاق .. لا تعلمهم .. الله يعلمهم) فالحذر واجب، ولاجل هذا دائما ما أقول بضرورة الحفاظ علي كل رموز وقادة معركة الكرامة في مرحلة التأسيس، لان وجود أهل الشوكة يؤمن استمرار الإيقاع العالي لأداء الدولة وبسد الباب ام الفتانين،
ان وجود خلافات واختلافات بين أي قادة وفي أي مجموعة موجود، خصوصا في فترات الانتقال من مرحلة الي مرحلة، لا سيما الانتقال من الشدة الي الرخاء، وهذا ما كان يعمل له رسول الله صلي الله عليه وسلم ألف حساب، فعندما خرج من حصار المشركين في مكة ووصل الي المدينة مهاجرا واستقبله أهلها بالبشر والترحاب، اول شئ فعله، وقبل ان يبني مسجدا للصلاة والعبادة، آخي بين المهاجرين والانصار، ولعل الناس يذكرون قوله صلي الله عليه وسلم الحكيم عندما عاد من احدي الغزوات الكبري منتصرا (عدنا من الجهاد الأصغر الي الجهاد الأكبر)
وبعد وفاة الرسول صلي الله عليه وسلم وضعف التناصح والتذكير تنامت الصراعات وتفاقمت، فالخلاف حول من يخلف الرسول صلي الله عليه وسلم بعد وفاته الذي بدأ هادئا في سقيفة بني ساعدة وحسمه عمر بن الخطاب رضي الله عنه بان مد يده وبايع أبي بكر الصديق رضي الله عنه علي الخلافة، وبايعه بقية المسلمين، هذا الخلاف تطور الي صراع عنيف بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن ابي سفيان رضي الله عنهما، وبلغ ذروته في معركة الجمل التي شاركت فيها أمّ المومنين عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها، وقتل فيها مبشرون بالجنة.
وقبل أن نصل الي ما وصل اليه أسلافنا فلنتبع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، نتناصح، ونحتاط، ونعمل ترليون حساب للذين يمشون بيننا بالفتنة ويريدون ان يصطادوا في المياه العكرة، وقينا سماعون لهم، والبعض يتكسب من ذلك ويسترزق، وللأسف ان بعضهم من أهل بلدنا وبعضهم ممن كنا نظنهم من المحسنين، فعلي قادة البلاد أن يتحسبوا لهؤلاء الفتانين، وكثيرون منهم يظهرون غير ما يبطنون، وحفظ الله اشقاءنا في مصر اخت بلادنا الشقيقة، فلقد نبهوا لهذه الفتنة قبل وقوعها بزمن، وكنت شاهدا علي رسالة الرئيس السيسي التي بلغها القنصل العام الأسبق المستشار احمد عدلي الي القيادي في الحرية والتغيير عضو مجلس السيادة البرفيسور صديق تاور، ولما وقعت حرب أبريل ٢٠٢٣م استأذنت المستشار احمد عدلي وكتبت عن تلك الرسالة وفحواها ان الإقصاء يقود الي كارثة’ وان سفيرين يعبثان بأمن السودان وأمانه ويفرقون أهله، ولكننا لم نستبن النصح ولا حتي ضحي الغد.
هذه المرة إحساسي مختلف، وأعتقد انً الدرس القاسي الذي تعرضت له بلدنا وشعبنا وقادتنا قد استفدنا منه، ولدي ثقة مطلقة في كل قادة معركة الكرامة، وكثيرون منهم تربطني بهم وشائج قربي وصداقة وزمالة حميمة، والقلة الأخري كتبت بيانها بعطائها، فالرئيس البرهان لا ينازعه احد في الرمزية والثبات وحسن القيادة، والملك عقار معرفتي به تعود الي اكثر من أربعة عقود أيام الصبا في اتحاد شباب السودان عهد مايو، واكتسب بعدها من الخبرات ما لم يتح لغيره، فصار حكيما وملهما عظيما وهو في الأصل ود بلد،
اسد السودان كبش والده ابن خالتي لزم، فوالدة كباشي الأب كلتوم خالتي ابنة حبوبتي بخيتة شقيقة جدي لوالدتي الشيخ جبارة عمر الهائم في حب الله، ولقد لفت كبش الصغير نظري بذكائه الخارق منذ ان رايته اول مرة في مطالع سبعينيات القرن الماضي عندما جاء في صحبة والده الي الأبيض ونزلا في بيت اخينا الطيب احمد آدم ابن خالتنا بخيتة بت ريحان في قشلاق الهجانة وصعد في جناح طائرة كانت معطلة بالقرب من المطار، وسقط علي الأرض وكسر يده، وكان يدرس وقتها في الابتدائي وكنت في المتوسطة في مدرسة عاصمة كردفان، وكبش احرز نسبة في الشهادة السودانية تؤهله لدخول أي كلية في جامعة الخرطوم لكنه اختار عرين الأبطال ومصنع الرجال، الكلية الحربية، وسيرته ومسيرته العسكرية معلومة للجميع، أما فارس الدواس ود العطا كمل الفراسة، وهو خيار من خيار من خيار، مدير الجهاز الأمن الجن الفريق أول احمد إبراهيم مفضل رغم أننا تعاصرنا عاما واحداً في الدراسة بالجامعات المصرية حيث كان في السنة الأولي وكنا خريجين إلا انً تواصلنا لم ينقطع طوال هذه السنوات، وتابعت كثيرا من المحطات التي مر عليها واكتسبته خبرات متراكمة وجدت في طينته الخصبة ارضاً صالحة جعلت منه هذا القائد المتفرد.
الدكتور جبريل إبراهيم درس في جامعة الخرطوم ودرسنا في مصر، لكننا كنا نلتقي صيفا كل عام تقريبا، اما شقيقه الشهيد دكتور خليل مؤسس الحركة فكنت مشرفا علي مناشطهم التنظيمية عندما كان طالبا في كلية الطب بجامعة الجزيرة، وتعرف علي أرملته المجاهدة زينات علي يوسف في تلك المناشط، وزينات كانت من فريق عملي في المناشط عندما كانت طالبة في جامعة ام درمان الاسلامية وانتقلت الي فريق الجريرة بعد ان تخرجت وعملت معلمة في كلية معلمات ود مدني، وعندما تزوجا عام ١٩٨٦م أقمت لهما احتفالا كبيرا في بيتي، وكنت اسكن وقتها في الكلاكلة القبة، وتربطني علاقات عميقة وحميمة مع كثيرين من قادة الحركة، ونحسبهم جميعا من الصادقين المتجردين.
القائد مني أركو مناوي التقيته أول مرة قبل نحو عشرين عاما عندما تم تعيينه مساعدا للرئيس البشير بعد اتفاق سلام أبوجا، ثم تعددت اللقاءات بعد عودته الأخيرة بعد الثورة، ولكن علاقتي مع أسرته عمرها اكثر من أربعين عاما، فشقيقه الأكبر حسين كان ضمن العناصر الطلابية الاسلامية الصلبة التي فازت في انتخابات اتحاد طلاب جامعة جوبا عام ١٩٨٣م وتولي موقع السكرتير الثقافي وكنت مشرفا علي مناشطهم العامة ونفذت معه أسبوع الوحدة الوطنية في الجامعة باسم الاتحاد وشارك فيه الدكتور الترابي واللواء جوزيف لاقو وجيمس طمبرة والسيد محمد داود الخليفة والبروفيسور محمد عمر بشير والدكتور علي الحاج، وشقيقه الثاني خميس كان من إسلاميي جامعة ام درمان الاسلامية وهو الان دكتور ويدرس اللغة الفرنسية في الجامعة الاسلامية، ومناوي اصبح الان ايوقونة وطنية صامدة، وقادة حركات الكفاح المسلح كلهم تقريبا اثبتوا وطنية وتجرد عاليين، ويكفي ان احدا منهم لم يلتفت الي حملات التخديل والتخوين، ولم يغادر الرماة مواقعهم استجابة لهذه الاستفزازات، ذلك أنهم يقاتلون من اجل وطن، وليس من اجل جاه ولا مال ولا سلطان.
وثقتنا في قادة معركة الكرامة جميعا من بعد ثقتنا في شعبنا الأبيّ الكريم، وفي الله من قبل ومن بعد تجعلنا واثقين من اجتياز هذا الامتحان العسير بنجاح باهر بإذن الله تعالى، ولذلك ننصح ونذكر ونوالي النصح والتذكير.