
تأملات
جمال عنقرة
لا اود ان اترك الفيل واطعن في ظله، وقد يستغرب كثيرون إذا قلت ان دولة الإمارات هي فيل المعركة ضد السودان، وان الرباعية هي مجرد ظل لهذا الفيل الذي تمثله الإمارات يد اسرائيل في المنطقة، وقائدة مشروعها لتحقيق دولة الحلم الصهيونى من النيل إلى الفرات، وإذا كانت مصر والسعودية مغلوبتين علي أمرهما، فان أمريكا ليست احسن حالا منهما، فمال البترول الإماراتي مع سطوة اللوبي الصهيوني، يجعلانها اسيرة لمصالحها ومخاوفها، لا سيما في عهد الرئيس التاجر الجشع ترامب.
الإمارات تقود معركة شرسة ضد السودان لأنها ايقنت تماما، ان مشروع الديانة الإبراهيمية أساس مشروع الاستيلاء الاسرائيلي للمنطقة من النيل إلى الفرات لا يمكن أن يتحقق في ظل بقاء دولة السودان قائمة ومستقرة، في وجود تحالف قوي بين القوي الوطنية والإسلامية، داعم للقوات المسلحة القومية الوطنية، ومسنود بتضافر شعبي عريض شعاره (شعب واحد جيش واحد)
صحيح أن الدول العربية والإسلامية كلها رافضة للديانة الإبراهيمية الاسرائيلية الاماراتية، إلا أن رفض السودان مختلف، فمثلا في مصر اصدر الأزهر الشريف فتوي ببطلان الديانة الإبراهيمية، وذات الشئ فعلته دار الإفتاء السعودية، ولكن رغم قوة فتوي هاتين المؤسستين العظيمتين، إلا ان الإمارات تعتبر مثل هذا الموقف مقدور عليه، ويمكن تجاوزه عبر بوابات الساسة، اما الرفض السوداني فجاء علي لسان قادة عسكريين شرفاء أقوياء، وزعماء سياسيين مسنودين بقواعد جماهيرية شعبية صلبة، ومجاهدة، ويزيد من خطورة الرفض السوداني، ان انطلاق دولة الحلم الصهيوني مخطط له انً يبدأ من السودان، من منطقة الفشقة، عبر المشروع الزراعي الإماراتي الاسرائيلي السوداني، الذي رصدت له الحكومتان الاماراتية الاسرائيلية ثمانية مليارات من الدولارات، ورفضته الحكومة السودانية، وهو مشروع صمم خصيصا لإعادة توطين اليهود الفلاشا في المنطقة، والذين كانوا قد هجروا الى اسرائيل عبر ذات البوابة في ثمانينيات القرن الماضي.
وبالعودة إلى موضوع المعركة الإماراتية علي السودان، والتي كانت آخر مظاهرها بيان الرباعية الأخير والذي يهدف إلى وقف الضغط العسكري علي المليشيا، وإعادة حلفائها وداعميها إلى الحكم، ببوابة الحوار السياسي، وسلب السودان قراره وإرادته، وفرض وصاية دولية عليه.
ومما يؤسف له أن قيادة السودان ممثلة في المكون العسكري بمجلس السيادة، بقدر نجاحها في التصدي للمعركة العسكرية ، عجزت تماما عن احداث اي تطور في ملفي الحوار السياسي، والتحول المدني الديموقراطي، فصارت متهومة بالإقصاء والتمسك بالحكم العسكري، وهذا ما انبني عليه بيان الرباعية الاستعماري.
سبب فشل القيادة العسكرية في هذين الملفين المهمين، انها لم تتوافق علي رؤية موحدة في ذلك، ولم تمتلك إرادة قوية صادقة لتحقيقها، وتنقصها الخبرة، واعتمدت علي شخصيات ضعيفة، تحركها اطماع ذاتية.
ففي ملف الحوار السياسي، ظلت القيادة تتخبط، وتحاول ان تضرب الناس بعضهم ببعض، وتعد بما لا تستطيع تحقيقه، ففقدت مصداقيتها لدي الجميع، فلا يكاد يوجد شاهد واحد او دليل علي جدية وصدق الحكومة في المضي قدما في سبيل الحوار السوداني السوداني.
اما في ما يتعلق بالتحول الديمقراطي، فلا توجد ايضاً خطوات مستقرة ومتنامية في ذلك، فلا تكاد الحكومة تتخذ قرارا في ذلك، إلا وتلتف حوله وتفسده، وهذا يعود إلى ضعف الثقة بالنفس، وبالاخرين.
ونعود في مقال قادم نتحدث عن إمكانية تجاوز هذه العقبات، وتحقيق وثبات في العملية السياسية والتحول الديمقراطي المدني، بما يواكب التقدم العسكري باذن الله تعالى.