
الحج والعُمرة تحت قبضة مراكز النفوذ: مجلس مُختطف وكرسي أمين عام لا يصمد أمام العواصف
كتب محمدعثمان الرضي
أصدر رئيس مجلس الوزراء كامل إدريس قرارًا بتعيين الأستاذ عمر مصطفى أمينًا عامًا للمجلس الأعلى للحج والعمرة، خلفًا للأمين العام السابق عبدالله سعيد الذي غادر موقعه بعد فترة قصيرة، في واقعة جديدة تعكس هشاشة هذا المنصب وحساسيته البالغة.
منصب الأمين العام للمجلس الأعلى للحج والعمرة لم يعد مجرد موقع إداري، بل تحوّل إلى ساحة صراع مكشوفة تتداخل فيها المصالح، وتتصادم عندها إرادات نافذين داخل أعلى هياكل الدولة.
هذا الكرسي بات ملغومًا، فكل من يجلس عليه يجد نفسه سريعًا محاصرًا بمتاريس أفقية ورأسية، تُنصب بعناية لإفشال أي محاولة إصلاح أو ضبط إداري حقيقي.
التجارب السابقة تؤكد ذلك بوضوح، فالأمين العام الأسبق سامي الرشيد كان يتمتع بقوة شخصية وجرأة في اتخاذ القرار، لكن تلك الجرأة نفسها كانت كفيلة بإبعاده حين اقترب من خطوط حمراء لا يُسمح بتجاوزها.
أما خلفه الأستاذ عبدالله سعيد، فلم يمكث طويلًا في المنصب، إذ بدأ منذ أيامه الأولى في تنفيذ إصلاحات هيكلية محدودة، لكنها كانت كافية لإثارة غضب مراكز النفوذ، لينتهي مشواره باستقالة سريعة.
ملف الأوقاف السودانية بالمملكة العربية السعودية يظل أحد أخطر الملفات المسكوت عنها، فكل من حاول فتحه أو حتى الاقتراب منه، كان مصيره الإقالة أو الخروج القسري من المشهد.
هذه الأوقاف تُعد من أقدم الأوقاف السودانية في الأراضي المقدسة، وتضم عددًا كبيرًا من المباني والعقارات القادرة على إسكان الحجاج والمعتمرين السودانيين، وإنهاء نزيف فاتورة السكن السنوية.
ورغم هذه الإمكانيات الضخمة، ظل الملف طي الكتمان، تحيط به شبكات مصالح غامضة، بينما تُهدر الأموال دون شفافية أو مساءلة حقيقية.
للأسف الشديد، فإن ملف الأوقاف السودانية بالسعودية معقد ومتشابك، ولا يمكن تفكيكه إلا بإرادة سياسية قوية من القيادة العليا للدولة، وعلى رأسها رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان.
الطريقة التي يُدار بها ملف الحج والعمرة تثير تساؤلات عميقة، إذ لا رؤية واضحة، ولا خارطة طريق، ولا سياسات مستقرة، بل ارتجال إداري وقرارات تُدار بردود الأفعال.
الأمين العام الجديد الأستاذ عمر مصطفى سيواجه منذ اليوم الأول عقبات شرسة ومتاريس صلبة، وإن لم يكن مسنودًا بإرادة قوية وغطاء سياسي حقيقي، فقد يلقى المصير ذاته الذي لقيه من سبقوه.
فالخبرة والتجربة وحدهما لا تكفيان لعبور هذا الحقل المحاط بالألغام من كل جانب، حيث تتشابك السياسة بالإدارة، وتتقدم المصالح الضيقة على حساب المصلحة العامة.
السبب الرئيسي لمغادرة الأمناء السابقين يعود إلى الصراع القديم المتجدد مع وزراء الشؤون الدينية والأوقاف، الذين يتبع لهم المجلس إداريًا وفنيًا، في علاقة ملتبسة يغيب فيها وضوح الصلاحيات.
هذا الصراع المستمر شلّ أداء المجلس الأعلى للحج والعمرة، وحوّله إلى مؤسسة عاجزة عن اتخاذ قرارات جريئة أو تنفيذ إصلاحات تمس جذور الخلل.
ويظل ملف الحج والعمرة واحدًا من أكثر الملفات التي تعبث بها مراكز النفوذ، حيث تحضر الصراعات وتغيب خدمة الحجاج والمعتمرين، في مشهد يؤكد أن معركة الإصلاح هنا قاسية، لكنها حتمية مهما بلغت كلفتها.