
شئ للوطن
م.صلاح غريبة – مصر
Ghariba2013@gmail.com
يُعدّ السلام أكثر من مجرد غيابٍ للحرب، فهو الضمانة الحقيقية لصون كرامة المواطنين وحماية حقوقهم. في عالمٍ تتزايد فيه التحديات والصراعات، يمثل السلام الشامل والعادل ركيزةً أساسيةً لتحقيق التنمية المستدامة وبناء المجتمعات القادرة على النهوض بنفسها. فالشعوب تتطلع دائمًا إلى العيش الكريم، وهذا التطلع لا يمكن أن يتحقق إلا في بيئةٍ آمنةٍ ومستقرة. إن السلام يفتح الباب أمام الاستثمار في الإنسان، في التعليم والصحة والبنية التحتية، بدلًا من تبديد الموارد على النزاعات المسلحة.
إن الاحتفاء باليوم الدولي للسلام، الذي يوافق 21 سبتمبر من كل عام، يجدّد التذكير بأن السلام ليس هدفًا بعيد المنال، بل هو مسؤوليةٌ مشتركةٌ تتطلب جهودًا متواصلةً من الجميع. هذا اليوم يدعونا إلى وقف إطلاق النار والامتناع عن العنف، والعمل على إرساء ثقافة الحوار والتسامح.
في السودان، يُواجه السلام تحدياتٍ جسيمةً، حيث ألقى الصراع الدائر بظلاله الثقيلة على حياة الملايين. فالحرب لم تقتصر على الدمار المادي، بل امتدت لتُزهق الأرواح وتُشرّد الأسر وتُدمّر الأحلام. ولن يتحقق السلام المنشود في السودان دون إنهاء سيطرة الدعم السريع وحصار المدن، وهي خطوةٌ حاسمةٌ لإعادة الأمن والاستقرار للمواطنين.
تتطلب المرحلة الحالية في السودان أكثر من مجرد وقفٍ مؤقتٍ لإطلاق النار؛ إنها تحتاج إلى مقاربةٍ شاملةٍ تُعالج الأسباب الجذرية للصراع. تضمن إنهاء النزاع المسلح: كأولويةٍ قصوى لتمكين عودة الحياة الطبيعية وحماية المدنيين وضمان وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق.
ضرورة إجراء حوار سياسي شامل يجمع كل الأطراف الفاعلة من أجل بناء توافقٍ وطنيٍ حول مستقبل البلاد، بجانب إصلاح المؤسسات بما في ذلك المؤسسات الأمنية، لضمان سيادة القانون ومنع تكرار العنف، وتوفير العدالة الانتقالية لضمان محاسبة المسؤولين عن الجرائم وتقديم العزاء للضحايا وعائلاتهم.
إن المنظومة الدولية المعنية بحفظ السلم والأمن تحتاج إلى عملية إصلاحٍ حقيقيةٍ لتتمكن من القيام بالرسالة التي أُنشئت من أجلها. فالصراعات في السودان ومناطق أخرى من العالم تُظهر الحاجة الملحّة إلى آلياتٍ دوليةٍ أكثر فاعليةٍ واستجابةً.
يجب أن تتضافر الجهود العربية والإقليمية والدولية لدعم مساعي السلام في السودان. هذا الدعم يجب أن يتجاوز مجرد البيانات الرسمية، ليتحول إلى عملٍ ملموسٍ يهدف إلى نشر ثقافة السلام من خلال البرامج التعليمية والمبادرات الاجتماعية التي تُعزز قيم التسامح والحوار والمواطنة، والضغط على الدعم السريع الاستسلام ووضع السلاح أرضا، مع الجلوس إلى طاولة المفاوضات والوصول إلى حلٍ سلميٍ، دعم جهود الإغاثة الإنسانية للتخفيف من معاناة المتضررين، وقبول الآخر ونبذ العنف والتطرف كقيمٍ أساسيةٍ تُبنى عليها المجتمعات السليمة.
في الختام، إن السلام في السودان ليس مجرد شعارٍ يُرفع في يومٍ دوليٍ، بل هو مشروعٌ وطنيٌ وإنسانيٌ يتطلب تكاتف الجهود وإرادةً حقيقيةً لإعادة بناء ما دمّرته الحرب. إنه الطريق الوحيد نحو استعادة الكرامة، وتحقيق العدالة، وبناء مستقبلٍ مزدهرٍ للأجيال القادمة. فهل سيتخذ العالم والفاعلون في السودان الخطوات اللازمة لتحقيق هذا السلام؟