السودان ما بعد الحرب: نافذة الأمل في إعادة الإعمار ومسؤولية الحاضر والمستقبل
شئ للوطن
م.صلاح غريبة
Ghariba2013@gmail.com
في خضم التحديات الجسام التي يواجهها السودان اليوم، وفي ظل الحاجة الماسة إلى إعادة بناء ما دمرته سنوات الصراع، تبرز أهمية كل فرصة وكل منصة يمكن أن تسهم في رسم خارطة طريق لمستقبل أفضل. ومع اقتراب موعد “Big 5 Construct Egypt” و”Egypt Infrastructure & Water Expo” المزمع عقدهما في الفترة من 17 إلى 19 يونيو 2025 بمركز مصر للمعارض الدولية بالقاهرة، تلوح في الأفق فرصة ذهبية للسودان، لا للمشاركة وحسب، بل للمشاركة الفاعلة والاستفادة القصوى من هذا التجمع الإقليمي والدولي الوازن.
يأتي هذا المعرض، الذي يستقطب أكثر من 20,000 متخصص في البنية التحتية، ليقدم نموذجًا فريدًا لتبادل الخبرات، واستعراض أحدث الابتكارات، وخلق فرص عمل واعدة. فمع وجود أكثر من 300 عارض عالمي يمثلون أكثر من 20 دولة، وتقديم أكثر من 10 جلسات نقاشية لتطوير المهارات المهنية المستمرة (CPD)، يصبح المعرض مركزًا للإشعاع المعرفي والتكنولوجي في مجال البناء والمياه. إنها ليست مجرد ثلاثة أيام لتبادل بطاقات الأعمال، بل هي ملتقى حقيقي لبلورة الرؤى وتحويلها إلى مشاريع ملموسة.
بعد عقود من النزاعات الداخلية والخارجية، يجد السودان نفسه اليوم أمام تحدٍ تاريخي يتمثل في إعادة بناء نسيجه العمراني والاقتصادي والاجتماعي. فالبنية التحتية المتضررة، المدن التي تحولت إلى أنقاض، والاحتياجات الأساسية غير الملباة، كلها تتطلب جهدًا جبارًا وعملًا مؤسسيًا منظمًا. وهنا تبرز أهمية هذا المعرض:
اكتشاف حلول مبتكرة ومستدامة: يقدم المعرض منصة لا تقدر بثمن للاطلاع على أحدث التقنيات والمواد في قطاع البناء والمياه. فالسودان بحاجة ماسة إلى حلول مبتكرة وفعالة من حيث التكلفة، ومستدامة بيئيًا، لإعادة بناء المدن المتضررة، وتأهيل شبكات المياه والصرف الصحي، وتوفير مساكن آمنة للمواطنين. يمكن للمهندسين السودانيين والمخططين والمسؤولين الحكوميين التعرف على هذه الحلول وتكييفها لتناسب السياق السوداني.
بناء شراكات استراتيجية وفرص استثمارية: يجمع المعرض تحت سقف واحد كبريات الشركات العالمية في مجال البناء والتشييد والمياه. هذه فرصة لا تعوض للسودان لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتكوين شراكات استراتيجية مع هذه الشركات لتنفيذ مشاريع إعادة الإعمار الضخمة. إن وجود ممثلين سودانيين رفيعي المستوى، سواء من القطاع الحكومي أو الخاص، يمكن أن يفتح الأبواب أمام تمويل مشاريع حيوية وتوفير الخبرات اللازمة.
تبادل الخبرات والمعرفة: الجلسات النقاشية والورش التدريبية المقدمة في المعرض تعد مصدرًا غنيًا للمعرفة والخبرة. يمكن للمختصين السودانيين الاستفادة من تجارب الدول الأخرى في إعادة الإعمار بعد النزاعات، وفي إدارة الموارد المائية، وتطوير البنية التحتية الحضرية. هذا التبادل المعرفي سيساهم في رفع كفاءة الكوادر السودانية وتزويدهم بأفضل الممارسات العالمية.
إعادة بناء الثقة وجذب الانتباه العالمي: إن مشاركة السودان الفاعلة في مثل هذه الفعاليات الدولية تبعث برسالة قوية إلى المجتمع الدولي مفادها أن السودان عازم على النهوض من رماد الحرب، وأنه يسعى جاهدًا نحو التنمية والاستقرار. هذه المشاركة يمكن أن تساهم في إعادة بناء الثقة لدى المستثمرين والشركاء الدوليين، وتلفت انتباههم إلى الفرص الكامنة في السودان.
فرصة لتأهيل وتدريب الكوادر: بالإضافة إلى تبادل الخبرات، يمكن للمشاركين السودانيين استكشاف فرص التدريب والتأهيل المتخصصة التي تقدمها الشركات العارضة أو المؤسسات التعليمية المرتبطة بالمعرض. هذا الاستثمار في رأس المال البشري يعد حجر الزاوية في أي عملية إعادة إعمار مستدامة.
إن إعادة إعمار السودان لا تقتصر على بناء الجسور والمباني، بل تتعداها إلى إعادة بناء الثقة، وتعزيز التماسك الاجتماعي، وخلق فرص عمل لآلاف الشباب الذين فقدوا مستقبلهم بسبب النزاع. ومثل هذه المعارض الدولية توفر المنصة المثالية لتحقيق هذه الأهداف.
يجب على الجهات المعنية في السودان، سواء الحكومية أو الخاصة، أن تدرك الأهمية القصوى لهذه المشاركة. يجب أن يتم التخطيط لها بعناية، وتحديد الأهداف بوضوح، واختيار الوفد الممثل بدقة ليضم خبراء في مجالات البنية التحتية، والمياه، والتخطيط العمراني، والاستثمار. ليس الهدف مجرد الحضور، بل الهدف هو تحقيق أقصى استفادة ممكنة، وتحويل هذه المشاركة إلى لبنة أساسية في صرح إعادة إعمار السودان.
في الختام، يمثل معرض “Big 5 Construct Egypt” و”Egypt Infrastructure & Water Expo” نقطة تحول محتملة للسودان. إنه ليس مجرد حدث تجاري، بل هو فرصة لرسم مستقبل جديد، وبناء أمل ملموس، وتحويل التحديات إلى فرص. إن مشاركة السودان في هذا الحدث ليست مجرد خيار، بل هي ضرورة ملحة ومسؤولية تاريخية تقع على عاتق كل من يؤمن بمستقبل أفضل لهذا البلد العظيم. فلنغتنم هذه الفرصة، ولنعمل معًا من أجل سودان مزدهر ومستقر.
