الأعمدةشيئ للوطن

السودان ومصر.. التكامل الاقتصادي بين الأمل والواقع

شئ للوطن
م.صلاح غريبة – مصر

تتجه الأنظار مؤخرًا نحو إمكانات التكامل الاقتصادي بين السودان ومصر، لا سيما في قطاعي الغذاء والدواء. فالمؤشرات الاقتصادية والإمكانات الكامنة تشير إلى أن البلدين يمكنهما تحقيق طفرة حقيقية، لا تقتصر على تعزيز التجارة البينية فحسب، بل تمتد لتسهم في تحقيق الأمن الغذائي الإقليمي وتوفير فرص عمل جديدة لملايين الشباب. لكن رغم هذا الأمل الكبير، تظل هناك تحديات واقعية تقف حجر عثرة أمام هذه الطموحات.
تؤكد الأرقام الضخمة التي قدمها رئيس اتحاد المصدرين السوداني، وجدي ميرغني، هذه الإمكانات. السودان يمتلك ما بين 180 و200 مليون فدان من الأراضي الزراعية، لكن أقل من 25% منها فقط مستغل. هذه الأراضي، التي تقع في حوض النيل الخصب، تشكل كنزًا غير مستغل يمكن أن يغير معادلة الأمن الغذائي في المنطقة بأكملها. وفي المقابل، تمتلك مصر خبرات واسعة في مجال الزراعة والتصنيع الغذائي وتكنولوجيا حديثة، يمكنها أن تكون الشريك الأمثل للاستفادة من هذه الأراضي.
التكامل المقترح لا يقتصر على الزراعة فقط. فالسودان يمكنه أن يساهم في سد الفجوة الغذائية لمصر، التي تستورد ما يزيد على 8 مليارات دولار من الحبوب سنويًا. وفي المقابل، يمكن أن يجد السودان في السوق المصري الضخم فرصة هائلة لتصدير اللحوم الحمراء التي تصل وارداتها إلى 1.8 مليار دولار سنويًا.
لكن الطريق إلى هذا التكامل ليس مفروشًا بالورود. فهناك عقبات لوجستية وتشريعية تتطلب حلولًا عاجلة. فالبنية التحتية في السودان تحتاج إلى تطوير شامل، من طرق وكهرباء ووسائل نقل وتخزين. كما أن هناك تحديات إدارية تتعلق بحرية حركة رجال الأعمال والاستثمار، وهو ما أشار إليه بوضوح رئيس اتحاد أصحاب العمل السوداني، معاوية البرير، عندما طالب بمرونة أكبر في السياسات المصرفية والتجارية، وتخفيض القيود على رجال الأعمال السودانيين.
ومع كل هذه التحديات التقنية واللوجستية، يبرز التحدي الأهم، وهو التحدي السياسي. فكما أشار الكاتب الصحفي عثمان ميرغني في مقاله، فإن الخطط الاقتصادية، مهما كانت متقنة، تحتاج إلى “وقود سياسي” لتتحول إلى قرارات ملموسة. فصناع القرار غالبًا ما ينجذبون إلى المشاريع ذات العائد السياسي السريع، ويغفلون عن الخطط طويلة الأجل التي تتطلب جهدًا وتخطيطًا دقيقًا.
إن تحقيق حلم التكامل الاقتصادي يتطلب من الجانبين، خاصة من صناع القرار في السودان، تحويل هذه الأفكار الرائدة إلى واقع من خلال تبنيها على المستوى السياسي. فالمشاريع التي تخدم الأمن الغذائي وتوفر فرص العمل وتحرك عجلة التنمية يمكن أن تكون جذابة جدًا على المستوى الجماهيري. وهنا يأتي دور القطاع الخاص والمخططين الاقتصاديين في تسويق هذه الخطط ليس فقط للمستثمرين، بل للرأي العام أيضًا، لخلق زخم جماهيري يدفع صناع القرار إلى تنفيذها.
إن النجاح في رفع التبادل التجاري بين البلدين من 1% إلى 10%، بقيمة تصل إلى 10 مليارات دولار، ليس مجرد حلم، بل هو هدف واقعي يمكن تحقيقه إذا ما تم التغلب على العقبات البيروقراطية والسياسية. فالإمكانات موجودة، والوعي بأهمية التكامل يزداد يومًا بعد يوم، لكن يبقى السؤال: هل ستتحول هذه الإمكانات إلى واقع ملموس، أم ستبقى مجرد خطط طموحة حبيسة الأدراج؟

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى