
السياق التاريخي والسياسي لأزمات السودان وللفساد المؤسسي
يتميز التاريخ السياسي السوداني بتعاقب أزمات بنيوية متجذرة تعود جذورها إلى الحقبة الاستعمارية وما بعدها، حيث لم تُبنَ دولة حديثة مكتملة الأركان، ولم تُطوَّر مؤسسات حاكمة وقادرة على إدارة التنوع وضبط الصراع على الموارد.
أولاً :
الجذور التاريخية للأزمة.
المرحلة الأولى…
١_ مرحلة ما قبل الاستقلال.
في هذه المرحلة فرض الحكم البريطاني والمصري )اسماً( نظاماً قائماً على المركزية المتشددة، مع اعتماده سياسة المناطق (المقفولة) التي عمّقت الفصل بين الشمال والجنوب وأضعفت الاندماج الوطني.
٢_ مرحلة الاستقلال (١٩٥٦ – ١٩٥٨(
أورثت السودان نظاماً هشاً دون اتفاق على شكل الدولة… أدى إلى انفجار الصراع السياسي بين الأحزاب التي وصلت إلى الحكم عبر انتخابات عامة، ولأول مرة نال حزب واحد الأغلبية المطلقة، وكون الحزب الاتحادي الديمقراطي الحكومة منفرداً، وكانت هذه المرة الأولى التي لم تتكرر.
وفي هذه المرحلة أيضاً تفجر الصراع السياسي بين الأحزاب حول الهوية والدستور.
٣_ الأنظمة العسكرية والهيمنة على الدولة :
شهد السودان ثلاثة انقلابات رئيسية (١٩٥٨ _ ١٩٦٩ _ ١٩٨٩(
أطاحت بالأنظمة التي وصلت للحكم عبر الانتخابات، وأقامت سلطة فُرضت على المواطنين بالقوة، وفيها برز اقتصاد موازٍ مرتبط بالأجهزة العسكرية.
٤_ الحرب الأهلية الأولى :
استمرت هذه الحرب بين الشمال والجنوب لأكثر من خمسين عاماً. بعد انفصال الجنوب ٢٠١١ اندلعت صراعات جديدة في دارفور وكردفان والنيل الأزرق.
ثانياً :
تحول الفساد إلى بنية مؤسسية.
ضعف منظومة الحكم وغياب الفصل بين السلطات، وسيطرة الأجهزة الأمنية على مفاصل الدولة، أدى إلى انهيار الخدمة المدنية.. لأسباب أهمها:
– التعيين على أساس الولاء وليس الكفاءة.
– تهميش الكفاءات الوطنية.
– تسييس القضاء والإعلام، وتحويله، والتغوّل على المصالح دون سند قانوني.
– السيطرة على الموارد خاصة الذهب والبترول والأراضي والجمارك والضرائب نتيجة لغياب الشفافية في إدارة الموارد لا توجد قواعد معلنة للإنفاق العام.
أما العلاقات الخارجية فقد تم إخضاعها للمصالح الخاصة وليس لمصلحة الوطن.
انعكاسات الأزمة على بناء الدولة وتطور المجتمع :
نظراً لاتساع تأثير الأزمات السياسية والفساد المؤسسي أصبح انهيار بنية الدولة السودانية ظاهرة متكاملة تشمل الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.
١_ انهيار الثقة بين المواطن والدولة، واستبدال مؤسسات الدولة بشبكات قبلية أو مليشياوية.
٢_ أزمة الهوية الوطنية:
لعدم وجود رؤية موحدة لهوية تعبر عن جميع السودانيين، والصراع بين المركز والهامش حول الانتماء السياسي والثقافي.
٣_ انهيار الاقتصاد الوطني للأسباب الآتية:
• فقدان الاستقرار النقدي.
• تهريب الذهب والموارد إلى الخارج.
• إدارة ضعيفة للقطاع الزراعي والصناعي.
٤_ تدهور رأس المال البشري:
• هجرة العقول إلى الخارج.
• ضعف جودة التعليم.
• انهيار النظام الصحي.
٥_ عسكرة المجتمع:
• انتشار السلاح.
• توسع المجموعات القتالية.
• ضعف سيطرة الدولة على الأقاليم.
٦_ انقسام النخبة السياسية:
• صراع على الغنائم لا على البرامج.
• ظهور نخبة جديدة تقوم على العنف والخطاب التعبوي.
٧_ الإرهاق المجتمعي:
• فقدان الأمل.
• ارتفاع معدلات الفقر.
• تراجع الروابط الاجتماعية التقليدية.
لذلك علينا فهم عمق الأزمة والحاجة إلى الوصول إلى جذورها وتداعياتها المتراكمة على الدولة والمجتمع، مما يجعل أهمية الاعتراف بأنها أزمة وجودية وليس خياراً سياسياً فقط.
تاريخ الأزمات في السودان عبر عقود لم تتم معالجتها بالصورة الصحيحة، لذلك على الشعب السوداني مراجعة أسباب الأزمة والحلول غير المكتملة والتوافق إلى رؤية جديدة ومشروع وطني نهضوي لبناء سودان جديد.
هل من أمل ؟
نعم، في السودان شعب عظيم وشباب يمكن الاعتماد عليهم، فهم الأمل ليكون الوطن في المقدمة مع الدول المستقرة والمتطورة.
د. إبراهيم الأمين
مركز ٦ أبريل للدراسات الاستراتيجية والثقافية