الأعمدةتأملات

العملية السياسية .. الني يرجع للنار

تأملات 

جمال عنقرة

عندما تذكر العملية السياسية في السودان هذه الايام يتبادر للأذهان تلقاء موضوع تشكيل الحكومة او تعيين رئيس وزراء، وهذا بالطبع تصور خاطىء لكنه ارتبط بالأذهان من كثرة التلازم غير الصحيح، فالعملية السياسية بمعناها الواسع البحث عن نظام حكم لبلدنا يتجاوز قصور التجارب الماضية ويستوعب مستجدات الزمن الراهن، وهذا ما كان يجب ان تفعله القيادة العسكرية للبلاد بعد ثورة ديسمبر.

المشكلة الأساسية والتي ندفع ثمنها الان هي ان الجميع ضلوا الطريق وضللوا الثوار وانتهي الأمر الي ما إنتهي اليه.

خلافات الإسلاميين وقيادات المؤتمر الوطني هي التي أدت لسقوط نظامهم وكان يمكن الا يسقط، ولما سقط، فلت الأمر من أياديهم جميعا، فصار كل فريق منهم يبحث عن سبل للخروج باقل الخسائر، اكثرهم حكمة قنعوا بالسقوط لكنهم سعوا الا يسقط معهم الوطن كله، وهذا هو سبب وقوفهم مع الجيش رغم ما اصابهم من بعض قادته، اما الأحزاب السياسية الاخري لا سيما الكبيرة منها لم تكن تتوقع ان تقود هذه المظاهرات الى سقوط الحكومة حتي ان السيد الامام الصادق المهدي له الرحمة والمغفرة وصفها بانها (بوخة مرقة) اما متحدث الحزب الاتحادي الديمقراطي فراهن علي تجاوز الأزمة ووعد السودانيين الا يشاهدوا صفا بعد ذلك الا في صلاة الجماعة، وهذا ما قاد مجموعات صغيرة معزولة تسيطر لان علي القرار السياسي باسم قوي الحرية والتغيير وتعوث في الأرض فسادا.

المشكلة الكبري كانت في الجانب العسكري، وكما هو معلوم ان المجموعة العسكرية التي آلت لها السلطة بعد يوم ابنعوف في الحكم لم يكن لاحد منهم دور في صناعة التغيير غير حميدتي الذي كان عضوا في اللجنة الأمنية التي اتخذت ونفذت قرار التغيير، وأولي اخطاء هذه المجموعة أنهم ساووا رأسهم برأس احزاب قحت، اما الخطأ الأكبر والذي يعتبر ام الكوارث أنهم مكنوا لحميدتي وجعلوه قائدا ورئيسا لوفودهم التي تفاوضت مع الحرية والتغيير ومع حركات الكفاح المسلح ومع الرباعية الأجنبية، وهذا ما لا زلنا ندفع ثمنه حتي الان.

كارثة الحرب التي حلت بنا، لو كان لها فضل واحد أنها وحدت الشعب السوداني كله خلف قواته المسلحة، وأيقظت القادة العسكريين من غفوتهم وكشفت لهم المؤامرات التي كانت تحاك ضد البلد، وميزت بين العدو والصديق، وكانت هذه فرصة لقيادة عملية سياسية شاملة تستفيد من هذا التداعي الوطني الجميل، ولكن ظلت القيادة تناور وتدخل يمين وتخرج شمال، وتعد الجميع ولا تلتزم لاحد، فتفرقت القوي السياسية وبعد ان كانت قد جمعتها المصيبة فرقتها غنائم السلطة التي وعدوا بها، فتشتت شملهم ولم يجدوا سلطة ولا حكم.

ولا ادري ما السبب ولكن الذين كانوا يقودون العملية السياسية باسم الحكومة يبعدون الأقوياء ويقربون الضعفاء، ويوادون من يحادونهم، ويعادون من يقاتلون معهم، ولذلك فان كل محاولاتهم لقيادة عملية سياسية باءت بالفشل.

ولم يعد الان أمامهم ولا امام البلد كلها خيار سوي الدخول في عملية سياسية شاملة تستوعب كل الوطنيين من أهل السودان دون استثناء لاحد او وصاية من احد، وان يكون هدف هذه العملية بناء نظام سياسي راشد للسودان يوحد صف أهله ويجمعهم علي كلمة سواء، يقودون معا إعمار ونهضة بلدهم، ويجب ان يعلموا ان طريق المناورات لن يوصلهم الي بر الأمان، فالرجوع الي الحق فضيلة واهلنا قديما قالوا (الني يرجع للنار)

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى