
الى آل البحر الفياض أجمعين
بسم الله الرحمن الرحيم
الى آل البحر الفياض أجمعين
الى آل حارتنا المكلومين جميعا
السلام عليكم ورحمة الله
أكتب معزيا نفسى وصلا لعزاء آل الشيخ الضو فى فقيد الانسانية والواجب الدكتور الخلوق مستر / حاتم احمد خليل البحر…..
إن هذاالرحيل المتوالى لإخواننا الأعزاء وأختنا الغالية هدى البحر رمز الهداية للخير أورث فينا حزنا عميقا…….فقد أسدى إلينا هؤلاء الأطباء معروفا كبيرا بإرادة ربانية غلالبة ، وهم يتنقلون بين طلقات الرصاص السابحة فى سماء مدينة أمدرمان الجريحة وأصوات المدافع المتباعدة تصم الآذان ، والطرقات مترسة بمتاريس الغفلة والخيانة ، رغم كل ذلك مابخلوا ولاتنكروا لمسؤلياتهم الإنسانية أو تقاصروا عن عهد ميثاق شرف المهنة ، كانوا رهن النداء والواجب يهرعون للحاق بمثتغيث أصابه ألم أو وجع أو جرح مداوين معالجين… فالله دركم أبناء البحر الفياض أحياءا وأمواتا…… الأوفياء لمهنتهم ولوطنهم ولأهليهم المغلوب على أمرهم من هذا الفقد الجلل…
كم من جنين حبسته المقادير فى رحم أمه وأشكل الأمر على الجميع فرفعوا أكف الضراعة لله عز وجل يطلبون منه الغوث والمدد والنجاة للأم والجنين ، فيستجيب رب العزة لذلك النداء الخفى وللقلوب الهامسة وللشفاة المتيبسة فيرسل لهم الحبيب الراحل الدكتور الهامة والقامة مستر / سيف الدين احمد خليل البحر ليجرى الفرح على يديه مكرمة له من عند الله لصدقه وتفانيه فتعلوا الزغاريد بمقدم المولود الجديد بعد عسر وإبتلاء ألم بالأسرة الشفوقة ، فتلاحقه من بعد دعوات المنتظرين الوجلين بالخير لدكتورنا الراحل لتثقل موازين حسناته عند الله عز وجل إن شاء الله .
وكذا كان يفعل الخير ويقدم البشريات لمرضاه الفقيدالحبيب الراحل مستر /حاتم أحمد خليل البحر جبار الكسور …ذرية بعضها من بعض ، تغذت بالمال الحلال الطيب ورواها عرق الكدح واليقين من الأبوين رحمهما الله رحمة واسعة بقدر ما قدموا للانسانية من أبناء صالحين إنتفعت بهم البشرية .
لقد نشأنا أطفال وترعرعنا صبايا ولعبنا شبابا متحابين ينتهرنا كبار الحي من مخاطر قطع طريق المهدية الشهير بشارع كررى الذى يفصل بين سكن الأسرتين آلشيخ الضو وآل البحر طيب الله ثراهما .
كنا فى صغرنا نرى والدينا يتقابلون ويتصافحون ببشر وترحاب ، فقد كان عم حسن يمر جيئا وذهابا بين منزل آل البحر وآل الصبانى لا يمر إلا ويلقى التحية على آل الضو محييا ومداعبا ، وكذا كان يفعل عمنا عبد الستار الضو يلقى التحية على آل البحر وهو فى طريقه للمسالمة رمزا الاخوة بين المسلمين والأقباط فى حارتنا ….
وكم من مرة إصطحبنى والدى الشيخ / جمعه الضو رحمات الله تنهال عليه فى قبره الى دكان عمى الراحل/ أحمد خليل البحر طيب الله ثراه ليخيط لى لباسا أفرنجيا متخطيا كل مدينة أمدرمان الى ميدان سان جيمس فى الخرطوم ، وقتها كنت فرحا بذلك المشوار ….حتى ظننت فى طفولتى الباكرة أن أبناء الشيخ الضو وأبناء البحر من رحم واحد رحمهما الله أجمعين.
فقد كانوا متشابهين سمتا واناقة وجمال منظر وظرافة هنداما ، متشابهين خلقا ربانيا وخلقا وأدبا وتأدبا ، فما زكروا أمواتا أو أحياءا إلا بالخير .
فشهادة الأحياء على الأموات حق لقوله تعالى: ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ) البقرة (١٤٢) فبخيرية تلك الشهادة يرث أصحابها فى الآخرة الجنان العلا مع المصطفين الأخيار إن شاء الله .
إن تلك الوشائج الأذلية التى جمعت بين الأسرتين كانت مرئية أمام ناظرينا منذ عهد طاحونة الشيخ الضو رحمة الله عليه والتى كانت رمزا للتكاتف والتعاضد والمحبة والتراحم ، فما من زيجة أو ختان فى الحارة إلا وتأتي زفة الفرح عرسا أو ختانا لتقف أمام بيت الشيخ الضو شيخ الحارة عند تلك الطاحونة المباركة ، فنخرج نحن وأترابنا ونساء ورجال الحى مستقبلين أهل الفرح وينتظر الجميع أن يخرج الشيخ الضو محييا ومباركا فتعلوا الزغاريد ويحمى طرق ( الدلوكة) ونحن نتحرك بين سيقان الرجال والنساء متعقبين حاملى الرتائن المضيئة فرحين بتلك الزفة ..
هكذا كان مجتمعنا مجتمعا أمدرمانيا متلاحما مترابطا يوقر فيه الكبير ويحترم ، ويرحم فيه الصغير . وكانت حيشننا مفتحة نفاجاتها بلا أبواب الكل سواسية لا فرق بين أبناء آل البحر وأبناء الشيخ الضو أو بين أولاد الصبانى وأولاد حمتو ( الذى كان يسقى سكان الحارة بمجوزه المعلق على كتفيه من تلك البئر العتيقة حتى ادخل الشيخ الضو الماسورة الحدثية فى منزله ليشرب منها الجميع ) …
لم يكن هناك فرق بين أولاد قرشى وأولاد عالمنا الجليل ابوالزين رحمه الله تعالى عليه فى ثراه بقدر جهده الذى بذله فى إزالة الأمية الدينية عن أهلونا فى الحارة …ولم يكن هناك فرق بين أولاد شيخ ميطى وأولاد حاج موسى ولا فرق بين أولاد دقاش وأولاد عبدالصمد ولا فرق بين أولاد إدريس موسى وأولاد جادوا الكل سواسية ، ولا فرق بين اولاد مكى الريض وأولاد ميزرى ولا أولاد سعد عمر وأولاد عبدالكريم ، ولا فرق بين نجيب المبدع المهذب وعبدالمنعم الخلوق وأولاد محمود أزيرق ، ولا فرق بين أولاد القراريش وأولاد تمباشا وأولاد قنديل وعم حسن وعم ينى النقادى الكل سواسية فى الحارة ، ولا فرق بين أولاد حمدان وأولاد دوليب ، ولا فرق بين أولاد قسم الله وأولاد الكتياب ، ولا فرق بين أولاد أستاذ محجوب وأولاد عم الصادق طه وأولاد أبوعبده والطاهر حمزه ، ولا فرق بين أولاد كاجوك واولاد عنقرة وأولاد عبد العزيز إزيرق واولاد الوسيلة وأولاد المدنى وقيلى وعوض قلم والفنان عوض الكريم عبدالله ويعقوب وأبكر وأبو شلة أطال الله عمره فى طاعته حمامة للمسجد الذى لازمه …..
رموز رحلوا عن حارتنا سراعا يتقدمهم شهيد صارى مولد النبوي الشريف المجذوب/ أبو طالب دوكه الذى مازالت ذكرى استشهاده عالقة بذاكرة الصبى عندى وكذلك المبدع الفنان انجليزى لاعب فريق البرازيل الامدرمانى كما يحلو لعشاق فنه الكروى أن ينادونه بالانجليزي وفى سرب الراحلون بيانكا وحطبه وشبك وعبد المنعم الصبانى شامة فريق الهلال فى قلعة المريخاب بالحي ونجيب الصبانى وحامد وعوض ليزا ( بني هو) ومحمد ( أبودرار ) الذى كان يبيعنا قصب السكر والعنكوليب والتبش والعجور بالشطة وعوض كسلا والمخلل الرمضانى وحلبى وحبيشى اليمانى واخونا العزيز الشهيد سعد ود شيخ محمد قتيل الغدر الذى دافع عن ماله أمام الغزاة وآخرين يعلمهم الله لهم الرحمة من الله أجمعين…
وكان بحارتنا حبوبات وأمهات وعمات وخالات ركائز من ركائز اللحمة الإنسانية بالحى والمجتمع الامدرمانى على رأسهم الحاجة بت ابوجاد التى يهابها الكبير والصغير احتراما وتقديرا لذلك العمر المديد وبت الرجاء زوجة (الشيخ الضو) وحواء والنحل ومطيرة وحليمة وتمباشا وعجن وبنات المكنة وبدور بت الصبانى وأم سمح وكنزو( زوجة محمود ازيرق) وبنات بت حاجي زهراء وأختها واخيهما رحمهم الله عليهم جميعا وجعل الفردوس الأعلى متقلبهم ومثواهم .
وكان بحارتنا الموهوبين والمبدعين فى فريق البرازيل والذى أقتبس إسمه من فريق البرازيل الأم وفريق الخطر وفريق العلم ….
وكان بحارتنا علماء افزاز يتقدمهم عالمنا الجليل ابو الزين الذى تعلم من فيوضات علمه أجدادنا وأعمامنا وعماتنا العلوم الشرعية والاتى كن يحضرن مجالس علمه فى معية الشيخ الضو ، وكذا العالم الجليل الحاج دوكه المقاول العمراني الذي أسهم بدوره فى بناء خزان الرصيرص وكانت تربطه بالشيخ الضو علاقة حميمية وهو الذى أسس أول زاوية للختمية فى فريق السيد المكى وكذا قارئ القرآن الكريم الشيخ عوض عمر ومن بعده آل عمر الإمام والشيخ الكتيابى الذى تعلمنا فى خلوته الشهيرة وروضة ست فائزة والبروف دياب أستاذ التاريخ أطال فى عمره .
وكانت حارتنا مزدانة بالمشائخ رموز المجتمع الامدرمانى يتقدمهم الشيخ الضو والشيخ الفاضل والمشائخ عربى ومكاوى والشيخ ميطى والشيخ مرسى أهل الثصوف …
وبحاتنا تأسست فى اول السبعينات أول فرقة موسيقية للسحور الرمضانى أسسها المعلم الراحل حمامة المسجد / حسن سليم ونهض معه من اترابنا وزملاء الدراسة الإخوة الأعزاء عمر شعيرية ( عمر ابراهيم السيد ) ويسن عوض اسماعيل و عيسى الفاضل وآخرون أمثال اسماعيل الجاك وبابكر أرو وصلاح احمد بشير وبشير اسماعيل جزاهم الله عن سائر المسلمين ألف خير .
لولا أن حلت أرواح شهداء أبناء البحر الفياض علي فى هذه السويعات لما إستدعت ذاكرتي هذا الهدير الهائل من ذكريات الطفولة والصبا والشباب وهذه المعلومات المتناثرة ، فهى سانحة ربانية جعلتنا نتذكر موتانا ونترحم عليهم ما بقية هذه الكلمات مكتوبة ، نذكر فيها محاسن موتانا وأفضالهم علينا تربية وإرشادا .
ونحي فى زكرى رحيل شهداء البحر الفياض نذكر أولئك الرعيل الذين نعتز ونفاخر بهم واعتزر لمن تخطاه قلمى زكرا فى حارتنا فالخطب الذى بين يديى جلل …
هكذا كنا مجتمعا مترابطا متماسكا عماده الأجداد والحبوبات والاعمام والعمات والخالات والخيلان أسرة واحدة إذا تداعى لها فرد بمكروه تداعت له سائر الحارة بالمواساة والتطيب وكذا فى الأفراح لحمة واحدة ، تربية جماعية يتقبلها الصغار والكبار بالرضاء والإزعان . لقد هيج ذاكرتي هذا الرحيل الأليم لأطباء حارتنا المترامية الأطراف فالحزن واحد والألم يعتصر قلوبنا أجمعين ..
فما علينا نحن أحفاد هذا السلف الصالح إلا وأن نستحضر تلك الصور والمعاني الى عشناها أطفالا وصبايا وشبابا لتعزيز تلك القيم وإحيائها بالتواصل والتواد والتراحم مهما تباعدت بيننا الأسفار .
فعندما يصطف أحفاد الشيخ الضو ليتلقون العزاء فى رحيل فقدنا الجلل شهيد الواجب مستر / حاتم أحمد خليل البحر فلا عجب فى ذلك فالفقد واحد وحزن الرحيل المؤلم واحد….
والحمد لله على ما أعطى وعلى ما أخذ ….
لك الرحمة والغفران إبننا الراحل مستر/ حاتم احمد خليل البحر …وإذ نودعك نودع فضائل الأعمال التى كنت تقدمها لأهلك وأحبتك وأهل الحارة ومرضاكم سائلا المولى عز وجل ان تصحبك متشفعة لك عند الله وتلاحقك كل دعوات المتشافين من أسقامهم على يديك بعد عسر وضيق كانوا منه يتألمون….فمن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة وما أدراكما كرب يوم القيامة ، إنه الوعد والقول الحق ….
إن الله لا يضيع أجر المحسنين
إنا لله وأنا إليه راجعون …….
ولا حول ولا قوة ألا بالله……..
قال تعالى : ( ولنبلونكم بشئ من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون ) صدق الله العظيم …
إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع وإنا لفراقكم أبناء البحر الفياض لمحزونون ..
وبهذا نحتسبكم عند الله ودائع والله لا تضيع عنده الودائع…
والحمد لله رب العالمين
إبنكم الدكتور / محمد الفاتح جمعه الضو / القاهرة/٢ يونيو /٢٠٢٥م
* معزرة لقد حالت ظروفى الصحية ألا أكون فى الموعد مواسيا لكن الأمر ما زال يحزمنى.
دكتور محمد الفاتح جمعة ألشيخ ألضو