
تحديات وآمال: إقحام الشباب السوداني في سوق العمل المصري
شئ للوطن
م.صلاح غريبة – مصر
Ghariba2013@gmail.com
أفرزت الحرب المأساوية في السودان موجة لجوء كبيرة، كان نصيب مصر منها استقبال أعداد غفيرة من الأشقاء السودانيين، خاصة الشباب والشابات. يجد هؤلاء أنفسهم فجأة في بيئة جديدة، يُضاف إلى ألم النزوح عبء تأمين متطلبات الحياة لأسرهم المنهكة اقتصاديًا. وهنا يبرز موضوع إقحام الشباب والشابات السودانيين في سوق العمل المصري، وهو ملف شائك يحمل بين طياته إيجابيات ضرورية وسلبيات مقلقة، خاصة فيما يتعلق بالتعليم وظروف العمل.
لا يمكن إنكار الأثر الإيجابي الفوري والمباشر لعمل الشباب السوداني على مستوى الأسرة. ففي ظل الظروف الاقتصادية القاسية التي تواجهها الأسر النازحة – التي فقدت مصدر دخلها في السودان فجأة – يصبح التشغيل هو شريان الحياة.
العمل يوفر الحد الأدنى من الدخل لضمان الغذاء، الإيجار، والعلاج، مما يساهم بشكل كبير في معالجة الظروف الاقتصادية للأسرة المنهكة. هذه الإيجابية لا تتعلق برفاهية، بل بالبقاء والكرامة الإنسانية ومعالجة الهشاشة الاقتصادية، بجانب تقليل الاعتماد على الإغاثة، فكلما تمكن الشباب من تأمين دخل، قل اعتماد الأسر على المساعدات الإغاثية الشحيحة في الأساس، مما يحفظ كرامتها ويسهم في دمجها بشكل أكثر استدامة في المجتمع المضيف، والاستفادة من الطاقات الشابة، يوفر السوق المصري فرصة لاستغلال طاقات وكفاءات هذا الشباب، الذي يمتلك في الغالب مستوى تعليميًا جيدًا، في قطاعات تحتاج إلى عمالة مثل الخدمات، المطاعم، والتجارة.
على الرغم من الضرورة الاقتصادية الملحة للعمل، تظهر تحديات وسلبيات عميقة، أبرزها الاستنزاف التعليمي والاستغلال المهني. الضغط الاقتصادي يدفع الكثيرين، حتى طلبة الجامعات، إلى ترك مقاعد الدراسة أو تأجيلها لفترة غير محددة بهدف العمل. هذه الظاهرة تشكل فاقدًا تربويًا خطيرًا، خاصة على المستوى الجامعي، فطلبة الجامعات السودانية، الذين كانوا يطمحون لاستكمال تعليمهم، يجدون العمل لساعات طويلة هو الأولوية القصوى. هذا يُهدد مستقبلهم الأكاديمي ويحرمهم من فرصة بناء حياتهم المهنية بناءً على مؤهلاتهم.
يمثل هذا الجيل استثمارًا بشريًا مهمًا للسودان مستقبلاً. إيقاف تعليمهم يعني تأخير أو إضعاف قدرة هذا الجيل على المساهمة الفعالة في إعادة إعمار بلادهم عند انتهاء الحرب، ولا يقتصر الأمر على الجامعيين؛ فبعض الأسر تضطر لدفع أبنائها الأصغر سنًا إلى العمل لتأمين دخل إضافي، مما يوسع دائرة الفاقد التعليمي لتشمل المراحل الأساسية.
في ظل غياب الحماية القانونية الكاملة للعاملين غير الرسميين، يتعرض الشباب والشابات السودانيون لخطر استغلال أصحاب العمل. ويتم ذلك تحت نظريات مجحفة تخالف أبسط حقوق العمل. فتنتشر ممارسات عمل قاسية مستوحاة من نماذج عمل مجهدة (مثل “ثقافة 996” التي تشير إلى العمل من 9 صباحًا إلى 9 مساءً، 6 أيام في الأسبوع، أو ما يماثلها). يتم تشغيل الشباب لساعات عمل طويلة جدًا، تتجاوز المعقول، بأجور زهيدة لا تتناسب مع الجهد المبذول.
غالبًا ما تتم هذه الأعمال في ظروف تفتقر إلى الأمان المهني والصحي. قد تكون بيئات العمل غير صحية أو تعرض العمال لمخاطر دون توفير تأمين أو رعاية صحية مناسبة. كما أن الغياب عن الإطار القانوني يجعلهم عرضة للتهديد والفصل التعسفي دون أي حماية، كما يلجأ بعض أصحاب العمل إلى دفع أجور تقل بكثير عن الحد الأدنى، مستغلين حاجة الأفراد الملحة للعمل والوضع القانوني الهش لهم كوافدين.
إن معالجة هذه الإشكالية تتطلب تضافر جهود الحكومة المصرية والسفارة السودانية بالقاهرة والمجلس الاعلى للجالية السودانية بمصر والمجتمع المدني والمنظمات الدولية لإيجاد آليات تضمن الحماية القانونية والحقوق العمالية للنازحين السودانيين، بما يضمن لهم أجورًا عادلة وظروف عمل آمنة، ووضع حد لممارسات الاستغلال مثل “996”، وموازنة العمل والتعليم بتفعيل برامج تتيح للشباب الجمع بين العمل والدراسة، مثل تخصيص أوقات عمل مرنة أو تقديم منح دراسية جزئية تسمح للطالب بالتفرغ للدراسة بمصر مع تأمين جزء من احتياجاته، كما يجب على المنظمات المعنية بالهجرة واللجوء تقديم دعم مالي مباشر يركز على التعليم (رسوم دراسية، بدل كتب) لتخفيف الضغط الاقتصادي الذي يدفع الشباب للعمل على حساب الدراسة.
إن إقحام الشباب السوداني في العمل ليس مجرد قرار اقتصادي، بل هو قضية تتعلق بالمستقبل. يجب أن نضمن أن يكون هذا الإقحام خطوة نحو التعافي والاندماج الكريم، وليس جسرًا نحو مزيد من الاستنزاف التعليمي والاستغلال المهني. فـ “شباب اليوم” هم “بناة الغد”، ومن حقهم علينا أن نحافظ على تعليمهم وكرامتهم المهنية.