مقالات

تشاد.. الجمهورية التي أُطفئ فيها نور التغيير

من أعلي المنصة

ياسر الفادني

التوقيع على دستورٍ جديد في إنجمينا ليس حدثًا ديمقراطيًا كما يُراد له أن يُقدَّم، بل هو تثبيت رسمي لحكم الفرد، وتدوير للسلطة داخل أسرةٍ تتعامل مع الدولة كإرثٍ خاص لا كعقدٍ وطني، تمديد الولاية الرئاسية إلى سبع سنوات قابلة للتجديد ليس إلا رخصةً مفتوحة للبقاء، وإشارة إلى أن مشروع (التحول الديمقراطي) في تشاد لم يكن سوى غطاءٍ لتمرير الوراثة السياسية في ثوبٍ دستوري أنيق

لكن خلف هذا الدستور الممهور بتوقيع الرئيس الشاب المتهور ، تتأجج غضبة المعارضة التشادية التي ترى في الخطوة إجهاضًا لما تبقّى من الحلم الجمهوري، التمديد يفتح الباب مجددًا أمام صراعاتٍ داخلية واحتمالات انقلاب جديدة، فالقوى المسلحة التي خمدت مؤقتًا لم تُحل، والمعارضون الذين صمتوا تكتيكًا لا يزالون يترقّبون اللحظة المناسبة لردّ الصفعة السياسية

التمديد هنا لا يعني فقط إطالة عمر النظام، بل يعني إطالة أمد هشاشة الدولة، ودفن فرص الاستقرار الحقيقي، فحين تُختزل السلطة في رجلٍ واحد، تُختزل الدولة معه، وحين تُختزل الدولة في أسرة، تصبح مؤسساتها مجرد واجهةٍ لإرادة الحاكم، وتتحول السياسة إلى مشهدٍ مكرر من الولاء والخضوع والرهان على رضا الخارج لا على إرادة الداخل

أما تأثير ذلك على حرب السودان فخطير ومباشر؛ فالرئيس الذي فتح مطار “أم جرس” ليكون منصة للإمارات في دعم الميليشيا السودانية، يثبت أن تشاد لم تعد تقف على الحياد، بل أصبحت طرفًا في صراعٍ إقليمي مدفوعٍ بالمال الخليجي، كل تمديدٍ في السلطة هناك يعني تمديدًا في المأساة هنا، وكلما اشتدت قبضة الحكم في انجمينا، تزايدت عمليات التسليح والتمويل والتجنيد عبر الحدود

إني من منصتي أنظر…. حيث أري…. أن تشاد اليوم تقف على بركان سياسي؛ تمديد الدستور لا يطفئ النار بل يغطيها بالرماد، والرهان على صمت الداخل أشبه باللعب بالنار فوق برميل وقود، فحكم الفرد، مهما تزيّن بعبارات الإصلاح، لا يُنجب استقرارًا، بل يُراكم نقمةً تنتظر شرارة لتنفجر، وربما يكون الانفجار هذه المرة أشد وقعًا لأن جذوره تمتد في السياسة، وفي الدم، وفي توازن الإقليم كله

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى