الأعمدةتأملات

جمال عنقرة يكتب … العلاقات السودانية المصرية .. ليس كل مرة تسلم الجرة (٩-٩)

تأملات

جمال عنقرة

العلاقات السودانية المصرية .. ليس كل مرة تسلم الجرة (٩-٩)

الحديث عن العلاقات السودانية المصرية لا ينتهي، فهو مستمر ومتجدد، مثله مثل علاقات البلدين والشعبين الشقيقين، إلا ان إصراري علي وصل المقالات بعضها ببعض حرمني من الكتابة عن احداث مهمة طرأت علي الساحة، فرايت ان يكون هذا المقال التاسع هو ختام السلسلة علي ان يظل الحوار مفتوحا، اكتب فيه ويكتب فيه غيري بحثا عن مستقبل ازهر لعلاقات لا خيار لها غير الازدهار.

وفي مقال الختام لا بد من التأكيد علي بعض ما ذكرنا مما نراه من الثوابت الراكزة، كما لا بد من الإشارة إلى محطات مهمة تستحق الوقوف والتأمل.

أشير أولا إلى ما ذكرت من دواعي لكتابة هذه المقالات في هذا الوقت تحديدا، أولها الحرب الملعونة التي أكدت للسودانيين ان مصر هي الشقيق الأول بالنسبة لنا شعب وحكومة، وأنها امتداد بلدنا وشعبنا الطبيعي، واكدت ان احساس المصريين بأخوة السودانيين اعمق واصدق من احساس السودانيين بعمق إخاء ومحبة المصريين.

الداعي الثاني الاهم هو الرباعية، والتي اخشي ان يؤثر سلبا سوء تقدير الدور المصري فيها علي العلاقات السودانية المصرية، وذكرت هنا ان حجم مصر في الرباعية هو واحد من اربعة فقط لا غير، وحقيقة مصر في مسائل السودان كلها انها شريك وليست وسيط، وهنا تكمن الخطورة، حيث ان الكل ينتظر من مصر في الرباعية دورا اكبر من حجمها، وقد يكون خارج نطاق مسؤوليتها، وتقع مصر والسودان ايضا في ذات التقديرات غير الصحيحة، واعتماد هذه التقديرات والبناء عليها يمكن ان يتجاوز أضعاف دور مصر في المسالة السودانية إلى التأثير سلبا علي العلاقات السودانية المصرية، وفي تاريخنا تجربة يجب ان نستفيد منها، وهي تجربة الدور المصري في الصراعات السودانية السودانية في عهد الإنقاذ، فلو يذكر الناس كانت هناك مبادرة مشتركة مصرية ليبية لحل الخلافات السودانية، هذا المبادرة كانت شاملة مستوعبة لكل القضايا السودانية، ولكل أطراف الصراع السوداني، ثم جاءت مبادرة الإيقاد التي تخصصت في الحوار بين الحكومة والحركة الشعبية فقط، ورفضت مصر الدخول في الإيقاد لأنها اقرت حق تقرير المصير للجنوب، وتري مصر ان تقرير المصير يقود حتما إلى الانفصال، ورفضت المنطق الذي يقول ان وجود مصر يقلل فرص الانفصال، فابتعدت واختارت ان تبني جسور ثقة وتواصل مع الدولة الجديدة بعد الانفصال.

هناك تجربة اخري تستحق ايضا النظر وهي تجربة ثورة ديسمبر الأخيرة والتي سعت القوي الدولية والإقليمية إلى عزل مصر عنها، وارتضت مصر الابتعاد بزعم المحافظة علي إنجاز الثورة، فضاعت الثورة واوشك ان يضيع معها السودان، وحتى تدارك مصر لهذه المسالة جاء متاخرا، وبمستوي أضعف من المستوي المطلوب قدر التحدي، وكنت قد اشرت في مقالات سابقة إلى رسالة تحذير من القيادة المصرية إلى قيادة الحرية والتغيير تنبه إلى مخاطر الإقصاء والتدخل الأجنبي، وكان قد نقل الرسالة القنصل المصري الأسبق المستشار احمد عدلي إلى عضو مجلس السيادة القيادي في الحرية والتغيير البروف صديق تاور، وكان من المفروض ان تكون الرسالة ارفع واقوي من ذلك، ولما اتخذ الرئيس البرهان قرارات اكتوبر التصحيحية أعلنت مصر وقوفها ومساندتها له، ولكن لو كانت رسالة الوقوف والمساندة اقوي من التي كانت، كان من المحتمل ان تكون خطوات القيادة السودانية اثبت وأرسخ واقوي من التي كانت.

وكنت قد اشرت في المقالات السابقة ان احساس القيادة العليا في البلدين بعمق العلاقات والعطاء لها اعلي من احساس الذين هم دونهم، ولذلك فان كثير من القرارات العليا تتكسر في العتبات الدنيا، ويزيد من تكسيرها الهواجس الأمنية المتبادلة، ومثل هذا التكسير فضلا عن كونه يبطئ من خطوات التواصل، فإنه يخلف آثارا نفسية سالبة خصوصا بالنسبة للسودانيين، وهم انطباعيين اكثر من المصريين، وأكثرهم يتعاملون بطريقة السوداني الذي كان في سوق العتبة وكان يقول (مصر والسودان حتة واحدة) ولما تعرض للنشل قال (مصر والسودان ٦٠ حتة) والأمثلة علي ذلك كثيرة، ولعل اشهرها معاناة الطلاب السودانيين الذين تم قبولهم في الجامعات المصرية، وسددوا الرسوم الدراسية، ولم يمنحوا تأشيرات دخول للحاق بالدراسة التي بدأت منذ شهور، فما دامت الجامعات المصرية قد منحتهم القبول، وسددوا الرسوم الدراسية يصبح من حقهم دخول مصر، وإذا كانت هناك إجراءات امنية يجب ان تكون قبل إعلان القبول، والمطلوب الإسراع في حل هذه المشكلة قبل ان تذهب فرحة الأسر بقبول أبنائهم في الجامعات المصرية، وقبل ان يتحول قولهم مصر والسودان حتة واحدة، إلى مصر والسودان ستين حتة.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى