الأعمدةتأملات

جنيف .. بعيداً عن المزايدات 

تأملات 

جمال عنقرة

 

تأملات
جمال عنقرة
جنيف .. بعيدا عن المزايدات
يذكر الناس انه علي ايام مظاهرات عام ٢٠١٨م، كان شعار المتظاهرين “تسقط بس” وكان هتاف الموالين للحكومة “تقعد بس” وكنا، ومعنا كثيرون ادركنا خطورة هذين الموقفين المتباعدين، ولذلك طرحنا مشروع “الطريق الثالث” وكان بعض عقلاء المعارضة، وفي مقدمتهم الإمام الراحل السيد الصادق المهدي، كانوا يميلون إلى موقف توافقي، ويحثون الناس عليه، ويسعون له، وكان هناك أيضا حاكمون كثر كانوا جادين في الوصول إلى حلول توافقية، وكان البشير في مقدمة هؤلاء، واذكر كنت قد قدمت له مشروعا للخروج من الأزمة يشرك فيه جميع القوي السياسية الحاكمة والمعارضة، ويتوافقون علي مرحلة انتقال يتاح فيها العمل الحزبي الحر، وتجري بعدها انتخابات حرة نزيهة، فاستحسن البشير هذه الرؤية، وأمر بضمي إلى الوفد المسافر إلى قمة الساحل والصحراء في العاصمة التشادية انجمينا، وطلب مني وزير رئاسة الجمهورية الأخ الدكتور فضل عبد الله فضل إحضار حقيبة ملابسي من ام درمان ، ووضعها في الخرطوم حتى لا تتاثر بإغلاق الجسور ايام المظاهر، ففعلت ذلك، ولكن الحكومة اعتذرت عن المشاركة في القمة، وتصاعدت المظاهرات، وسقطت الحكومة.
صحيح أن ما فات لن يعود، ولكن من أجل الاعتبار نقول أن خيار توافق كان سيكون افضل من خيار السقوط غير المحسوب، وكل ما جري بعد ذلك لبلدنا وشعبنا، هو حصاد ذاك التوتر والتنافر، والتباغض الكريه.
ذات ما كان علي ايام ثورة ديسمبر، صار بعد حرب أبريل الملعونة، فانقسم الناس بين شعارين “بل بس” و”لا للحرب”
وكما هو معلوم فإن “بل بس” يرفعه الذين يقفون مع الجيش، بينما “لا للحرب” يتستر به المناصرون للمليشيا،
أقول، وانا من الواقفين مع الجيش بلا تردد، ومن الداعمين له بلا حدود، لكنني مؤمن أن هذه الحرب، والتي يحقق فيها الجيش والقوات النظامية الأخري، وقوات حركات الكفاح المسلح المشتركة، والمجاهدون، والمستنفرون، ومن خلفهم كل الشعب السوداني يحرزون تقدما ملحوظا في كل ميادين القتال، وأن المليشيا أصبحت جيوبا متفرقة، وأنهم فقدوا قوتهم الصلبة المقاتلة، ولكن مهما توالت الانتصارات فلن تصل إلى مرحلة تباد فيها المليشيا، ولا يبقي منها احد، وأن هذه الحرب لن تستمر العمر كله، ويجب الا تستمر العمر كله، فلا بد أن يأتي يوم يجلس فيه الناس علي الأرض لوضع حد للحرب، وبحث تسوية شاملة وعادلة للمسالة السودانية كلها.
وفي تقديري ان النهج الذي تسير فيه حكومة السودان يستقيم مع المنهج المطلوب للحرب والسلام، فحشدت للحرب كل قواتها، وقوات شركائها من حركات الكفاح المسلح، ومن كل الشعب السوداني، وفي ذات الوقت مدها يدها الاخري للسلام وفق منهج واضح، أن الحوار تقوده القوات المسلحة مع المقاتلين المعتدين، وارتضت منبر جدة لهذا الحوار، واشترطت أن يكون الحوار في الشأن العسكري والإنساني فقط، ولا مكان فيه لسياسي ولا لشان سياسي، واستطاع المفاوض الحكومي أن يحقق مكتسبات عظيمة في جولات جدة الأولي، أهمها اتفاق الحادي عشر من شهر مايو عام ٢٠٢٣م، وأهم ما في الاتفاق خروج قوات المليشيا من مساكن المواطنين ومن جميع الاعيان المدنية، ولم تلتزم المليشيا بذلك ولم يلزمها رعاة المنبر، وصار حلفاؤها من السياسيين يبحثون لها عن المبررات.
ولما ظهرت الدعوة إلى مفاوضات جنيف اخيرا، انقسم السودانيون حولها ذات الاتقسامات المتوترة القديمة، علي شاكلة تسقط بس وتقعد بس، فاعتبر بعض المناصرين للحكومة أن مجرد التفكير في مفاوضات جنيف يعتبر خيانة، وبيع للقضية، بينما اعتبر الموالون للمليشيا أن مجرد الدعوة لبحث أصل قضية جنيف يعتبر اشعالا للحرب.
ولكن يحمد للحكومة انها تعاملت مع المسألة بموضوعية، فوجه الرئيس البرهان خطابا مسؤولا للحكومة الأمريكية طلب منها الإجابة علي أسئلة محددة، تحدد بعدها الحكومة موقفها من المشاركة في مفاوضات جنيف، اهم هذه الأسئلة لماذا بعثوا خطابهم له بصفة القائد العام للفوات المسلحة وليس رئيس مجلس السيادة، والثاني موقع اتفاق جدة في مفاوضات جنيف، والثالث تحفظ الحكومة السودانية علي بعض المراقبين، وتحديدا دولة الإمارات العربية المتحدة، ثم طلب منهم إرسال وفد من الحكومة الأمريكية يلتقي وفدا من حكومة السودان، يقدم له الاجوبة علي الأسئلة المطروحة، ووافقت الحكومة الأمريكية علي ذلك، وتم الاتفاق علي أن يلتقي الوفدان في جدة، وشكلت الحكومة وفدا رفيعا أساسه الوفد العسكري الذي كان مشاركا في منبر جدة، ويقود الوفد احد شركاء معركة الكرامة الصامدين وزير المعادن محمد بشير ابو نمو القيادي في حركة تحرير السودان بقيادة القائد مني اركو مناوي، ومعه السفير المخضرم الجسور دفع الله الحاج سفير السودان في المملكة العربية السعودية.
ليس علينا بعد ذلك الا ان ننتظر نتائج مباحثات جدة، وقرار الحكومة بعدها بالمشاركة في مفاوضات جنيف، أو عدم المشاركة.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى