مقالات

جواز السفر تحت الحصار.. حين تُكسر قرارات السيادة وتُستهدف الصحافة

ََ

 

كتب: محمد عثمان الرضي

صبيحة يوم الثلاثاء الموافق 23/12/2025، توجهتُ إلى مباني الإدارة العامة لشرطة الجوازات، لا بحثاً عن امتياز، ولا طلباً لتسهيل خاص، وإنما لاستخراج جواز سفر يُفترض أن يكون حقاً قانونياً أصيلاً لكل مواطن سوداني

غير أن المفاجأة كانت صادمة، إذ أُبلغت بأنني محظور بقرار صادر من النيابة، وأن استخراج الجواز غير ممكن إلا بعد رفع هذا الحظر، في واقعة تكشف بوضوح حجم التشوه الذي أصاب منظومة الحقوق والإجراءات في البلد

هذا الإخطار لم يكن مجرد إجراء إداري عابر، بل كان إعلاناً صريحاً عن مصادرة حق دستوري دون سند قضائي نهائي، ودون مراعاة لأبسط مبادئ العدالة

مدير الإدارة العامة لشرطة الجوازات، اللواء شرطة عبدالمحمود العوض، أوضح لي حيثيات الموقف، ووجّه بمخاطبة النيابة بخطاب رسمي لمعالجة الأمر، وهو تعامل مهني راقٍ يُحسب له شخصياً، لكنه لا يعفي المؤسسة من مسؤولية الالتزام بالقانون والتوجيهات العدلية

 

 

القضية في جوهرها لا تتعلق بشخصي، وإنما تمس كل مواطن، وتطرح سؤالاً خطيراً حول مدى احترام الدولة لقراراتها، وحول من يملك سلطة تعطيلها على أرض الوطن

فقد صدر توجيه واضح وصريح من رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان، يقضي باستخراج الأوراق الثبوتية للمواطنين السودانيين حتى في حال وجود بلاغات جنائية، باعتبار أن الوثائق الثبوتية حق قانوني لا يجوز مصادر

 

 

 

لكن ما حدث يكشف أن هذه التوجيهات السيادية وُضعت جانباً، وأن بعض الجهات لا تزال تتعامل معها كأنها مجرد توصيات غير ملزمة

ما جرى يمثل أول اختبار حقيقي لتنفيذ توجيهات رأس الدولة، وكانت النتيجة صادمة، إذ تم منعي من استخراج جواز السفر في تحدٍ واضح للإرادة السيادية

إن منع مواطن من جواز سفره دون حكم قضائي بات، عملياً، عقوبة إدارية مقنعة، تُفرض خارج إطار القضاء، وتُستخدم كوسيلة ضغط وانتهاكٍ.

 

والأخطر من ذلك أن الحظر الصادر بحقي يستند إلى بلاغ سابق في نيابة المعلوماتية، وهي النيابة التي يُحال إليها الصحفيون في قضايا النشر، في تجاوز واضح لمنظومة القوانين السارية

 

 

ففي الوقت الذي ما يزال فيه قانون الصحافة والمطبوعات لسنة 2009 سارياً ونافذاً، يتم تجاهله عمداً، وتُفتح مسارات قانونية بديلة تُستخدم لتقييد الصحفيين ومعاقبتهم خارج الإطار التشريعي المختلفة

 

 

وهنا يبرز السؤال الجوهري: لمصلحة من يتم تعطيل قانون الصحافة، ولماذا تُستخدم نيابة المعلوماتية كسيف مسلط على حرية النشر والعمل الصحفي

إن ما يحدث ليس خللاً إجرائياً، بل نهجاً مقلقاً يهدف إلى تفريغ القوانين من مضمونها، وتحويل الإجراءات القانونية إلى أدوات للترهيب وتكميم الأفواه

 

 

الدولة التي تسمح بتجاوز قوانينها السارية، وتغض الطرف عن تعطيل قراراتها السيادية، تُقوّض هيبتها بيدها، وتبعث برسائل سلبية للمواطنين

 

 

كما أن هذا السلوك يفتح الباب أمام فوضى مؤسسية خطيرة، يصبح فيها مصير الحقوق مرهوناً بالاجتهادات والمزاج الإداري

 

 

ليس من المقبول أن يتحول جواز السفر إلى أداة عقاب، ولا أن يُستخدم الحظر الإداري كوسيلة للانتقام أو التضييق على الصحفيين

 

 

إن احترام الحقوق الأساسية، وعلى رأسها الحق في الوثائق الثبوتية، هو المعيار الحقيقي لوجود دولة القانون

وأخيراً، فإن هذه الواقعة ليست حادثة فردية، بل إنذار واضح بأن معركة حماية الحقوق والحريات ما زالت تواجه مقاومة شرسة من داخل بعض مؤسسات الدولة نفسها، وأن الصمت على مثل هذه التجاوزات هو تواطؤ غير مباشر مع تقويض سيادة القانون .ون.ين.ري.ين..في؟تص.رية..ية.زمة.ته.اقع.ليا.الة.لاد.ني.رضي

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى