مقالات

حسين خوجلي يكتب: القاهرة وسهر الشوق في العيون الجميلة

 

 

هنالك بعض النصائح تصلح للأثرياء مثلما تصلح للفقراء فهي تلزم الأثرياء إلتزام الصمت في الصدقة وعدم المن والإبتعاد عن الأذى ، وتلزم الفقراء بالتعفف والكبرياء على الذي في أيدى الغير ، ومن هؤلاء وأولئك القليل رغم تتابع النصائح قال ابن سعد في الطبقات :إن الأغنياء لا يعطونك بقدر ما يغنونك، إنما يعطونك بقدر ما يفضحونك.

وفي الأدب الشعبي يستدل الناس بشيخ العرب ومسداره الشهير:

دا إن أداك وكتر ما بيقول أديت

أب درق الموشح كلو بالسوميت

أب رسوة البكر حجر شراب سيتيت

كاتال في الخلا وعقبن كريم في البيت

وصدق الله العظيم عندما فضح الناس أمام أنفسهم وأمام الناس وألزمهم الحجة قال تعالى :

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا ۖ لَّا يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُوا ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)

 

2

إذا أراد أحدكم السيادة وتقدمم صفوف الناس بالكفاءة والخلق والإختيار فعليه أن يحدث نفسه منذ الشباب الأول بمجموعة من الفضائل تمسك عنه القِيل والقال وتنجيه من ألسنة الخلق ( وليس بناج) ومن المسالب والسوءات التي يجب أن يمتنع عنها سائل السيادة كأبتعاد السليم من الأجرب وهي:

1_ الظلم

2_ الحمق

3_ البخل

4_ العهر

5_الحقد

6_ الغضب

وفي الأخيرتين قال عنترة:

لا يَحمِلُ الحِقدَ مَن تَعلو بِهِ الرُتَبُ

وَلا يَنالُ العُلا مَن طَبعُهُ الغَضَبُ

 

3

 

واحدة من دلائل الحرب والمسغبة والمذلة والنزوح أن الناس يفتقدون طلاوة الوجة ونضرة الحديث وتختفي عن أردانهم رائحة العطور وحتى صفاتها فتصبح في مثل هذا الراهن من الترف حتى و إن قالها الغزالي فقد ذكر في إحياء علوم الدين: أحب طيب الرجال ما ظهر ريحه وخفي لونه ، وأحب طيب النساء ما ظهر لونه وخفى ريحه.

والماهرات من أهل السودان والمختصات في تجميل الشعب كن يهتممن (بالدخان) وهو من أفخر أنواع ( الساونا) وأصحها على الأرواح والأجساد وما زال الأجداد والآباء وقليل من الزراري يرددون مع ود الرضي:

طابق البوخه قام ندا يهتف

نام من الدوخة

إيدو عاقباهو الجدلة مملوخة

لى معالق الجوف موسو مجلوخة

 

4

 

الفرق كبير وشاسع ما بين النزوح والسفر ففي النزوح إكراه وفي السفر إختيار وفي فضائل السفر القائم على الإختيار يستدل الناس بأبيات الشافعي:

سافر تجد عوضا عمن تفارقه

وَانْصِبْ فَإنَّ لَذِيذَ الْعَيْشِ فِي النَّصَبِ

إني رأيتُ وقوفَ الماء يفسدهُ

إِنْ سَالَ طَابَ وَإنْ لَمْ يَجْرِ لَمْ يَطِبِ

5

وفوائد سفر السودانيين ونزوحهم لكل بلدان العالم فيه إنتقاص وحزن وشيء من الإذلال ، إلا في مصر الشقيقة فهذا الشعب الموطأ الأكناف له في خدمة العرب والعجم لطف ومودة وسماحة وهي دليل عراقة وعقيدة وحضارة وكرم يلامس سويداء الروح والجسد رعى الله مصر بشوق العباسي القديم:

يا حبّذا وادٍ نزلتُ، وحبذا

إبداعُ من ذرأ الوجودَ ومن برا

مِصْرٌ، وما مصرٌ سوى الشمسِ التي

بهرتْ بثاقب نورِها كلَّ الورى

ولقد سعيتُ لها فكنتُ كأنما

أسعى لطيبةَأو إلى أُمِّ القُرى

وبقيتُ مأخوذاً وقيّدَ ناظري

هذا الجمالُ تَلفُّتاً وتَحيُّرا

يا من وجدتُ بحيّهم ما أشتهي

هل من شبابٍ لي يُباع فيُشترى؟

ولَوَ انّهم ملكوا لما بخلوا بهِ

ولأرجعوني والزمانَ القهقرى

 

وقد زاد عليها في أدب الحداثة شعراً الأستاذ تاج السرالحسن وغناء ونشيداً واحتفاءً الموسيقار الدكتور عبدالكريم الكابلي :

 

مصر يا أخت بلادي يا شقيقة

يا رياضاً عذبة النبع وريقة

يا حقيقة

مصر يا أم جمال أم صابر

ملء روحي أنت يا أخت بلادي

سوف نجتث من الوادي الأعادي

فلقد مُدت لنا الأيدي الصديقة

وجه غاندي وصدى الهند العميقة

صوت طاغور المغني

باصحابي وعلى وهران يمشي اصدقائي

والقنال الحر يجري في دمائي

وانا في قلب افريقيا فدائي

وعلى باندونق ستمتد سمائي

ياصحابي ياقلوبا مفغمات بالصفاء

يا جباها شامخات كالضياء

عند حلفا وعند خط الاستواء

والإستغراق في حب مصر وعشقها ينسيك السفر والتسفار والرحيل وفوائدة التي اختصرها العرب في الخمس الشهيرات:

تَغَرَّب عَنِ الأَوطانِ في طَلَبِ العُلا

وَسافِر فَفي الأَسفارِ خَمسُ فَوائِدِ

تَفَرُّجُ هَمٍّ وَاِكتِسابُ مَعيشَةٍ

وَعِلمٌ وَآدابٌ وَصُحبَةُ ماجِدِ

 

6

لم تَعِش البشرية عزاً وشرفاً وحضارة وتمدناً مثلما شهدته في الدولة العباسية خاصة عند كبارها من الخلفاء والأمراء وفي مقدمتهم المنصور بهيبته والرشيد بجماله وكماله ومدنيته الباذخة الراقية ، وأصدق ما قال الجاحظ في أمر هذه الدولة في عهد الرشيد : ( كان ليالي هارون كأنها الأعراس ) وللفرنجة نقول : بأن هارون هو أول من لعب التنس وأقام لها مهرجان ففي تاريخ الخلفاء للسيوطي أورد بأن الرشيد أول من لعب بالصوالجة والكرة.

الصوالجة : هي جمع صولجان وهي العصا من طراز معين تكون معقوفة الطرف لضرب الكرة.

وقد دخل الرشيد من أوسع أبواب الشعر والغناء السوداني قديمه وحديثه وأشهر ما قيل في ذلك أغنية علي المساح غصن الرياض المايد :

عانيت في ليالي هواك ظرُوف واحايد

مشكلة بين هواي وجفَاك وإنت مُحايد

بَسْ ما ذنبي غير صُغت النّشيد ونشايد

في مَدْحك بنيت قَصر الرّشيد الشايد

 

7

ومن الذين تتطابق فيهم قُبح الأسماء والأفعال برمة ودقلو وأبو لولو وشارون وخادم الله خشمين حريكة ، ولو أن هؤلاء السفاحين أبقوا المكتبات في جامعة نيالا وزالنجي والضعين على حالها قبل الإحراق الذي أوقدوا به جفان العصيدة لقرؤوا في سنن الدارمي ما أوادره من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم (إنَّكُم تُدعَونَ يومَ القيامَةِ بأسمائِكُم وبأسماءِ آبائِكُم فأحسِنوا أسماءَكُم)

وهؤلاء يا سيدي يا رسول الله عليهم اللعنة لم يحسنوا أسماءهم ولا أفعالهم والذي فعلوه في الفاشر والأخريات وصمة ودلالة وشهادة.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى