مقالات

حكومة تأسيس … بين ادّعاء السلام وممارسة القتل العمد

 د. الباقر عبد القيوم علي

ما زالت قوى الحرية والتغيير (قحت) تتشكل كالحرباء ، تغير لونها حسب لون المكان الذي تقف عليه ، في محاولة مستمرة منها لإعادة تقديم نفسها بواجهات جديدة وشعارات مختلفة ، ومن هذا المنطلق ، أنشأت كياناً باسم (صمود) ، ثم إنبثق منه لاحقاً كيان آخر يحمل اسم (تأسيس) ، في خطوة تهدف إلى تبييض الصورة الذهنية المرعبة التي تلطخ بها اسم قحت في الخرطوم قبل اندلاع الحرب ، فأعلنت عن نفسها من مدينة نيالا بأنها شكلت حكومة أسمتها (حكومة السلام) ، وجعلت من قائد المليشيا (حميدتي) رئيساً لها ، ومن محمد حسن التعايشي رئيساً لوزرائها ، وقدمت نفسها لشعب نيالا على أساس أنها جاءت لتحقيق رفاهية المواطن السوداني في جميع أرجائه ، وإنهاء معاناته ، ولكنها في الواقع الميداني والسياسي أظهرت تناقضاً صارخاً بين ما ترفعه من شعارات ، وما تقوم به فعلياً على أرض الواقع .*

*فمنذ إعلانها سعت لتلميع صورتها في الإعلام الإقليمي والغربي ، وبذلت جهداً دبلوماسياً كبيراً لإقناع بعض العواصم بأنها البديل (المدني) القادر على تحقيق السلام و العدالة والرفاهية .*

*أحدث حلقات هذا التناقض هو محاولتهم الجادة لتعطيل مطار الخرطوم بعد إعلان هيئة الطيران المدني إعادة تشغيله ، والذي يُعد الشريان الحيوي الوحيد للمواطن السوداني في عاصمة البلاد ، فهم يعلمون تمام العلم أن المطار ليس منشأة عسكرية ، ولا يرتبط تشغيله بأي مصلحة حرب ، وهو منفذ خدمي يقدم خدماته لملايين السودانيين الذين إدعت تأسيس أنها اتت لتحقيق الرفاهية لهم ، وهذه الخطوة لم تكن سوى دليل على بطلان إدعائهم .. فما هم إلا عصابة مجرمة أتت لتدمير ما تبقى من مصالح الشعب السوداني الحيوية .*

*السؤال الذي يطرحه الشعب السوداني الآن : من يريد هؤلاء أن يحكموا ؟ .. وكيف يمكن لحكومة تدّعي أنها جاءت لبناء دولة جديدة أن تدمر ما تبقى من مؤسساتها ؟ .. وكيف يمكن لمن يُعلن أنه ضد الحرب أن يواصل قصف المرافق المدنية ويزرع الفوضى في عاصمة البلاد ؟ ، فالجواب واضح جداً : فالمشروع الذي أتوا به ليس مشروع دولة ، فهنالك فرق شاسع بين الدولة والسلطة ، فهؤلا هم مشروع سلطة تقوم على القوة والمال والسلاح ، وإنهم لا يسعون لحكم السودان بمؤسسات مدنية كما يدعون ، فهم يخططون لفرض واقع عسكري مليشي يكرس نفوذ قادة المليشيا .*

*من المثير للانتباه أنّ الأصوات التي رفعت شعار (لا للحرب) في توقيت معين كانت غائبة تماماً عند المشهد عندما كانت المليشيا تسيطر على الأعيان المدنية والخدمية بالخرطوم وعندما إحتلت الجزيرة وسنجة ومارست الانتهاكات ، ولكن حينما بدأت القوات المسلحة السودانية في استعادة مواقعها وتحرير المدن المغتصبة ، إرتفعت فجأة نبرة (لا للحرب) ، وكأن الهدف الحقيقي من الشعار لم يكن إيقاف القتال ، فمقصدهم فقط هو إيقاف تقدم الجيش ، فهذه الازدواجية توضح حقيقة الموقف ، وتكشف أن الشعار يُستخدم كأداة سياسية لتعطيل تقدم الجيش ، وليس كدعوة مبدئية وحقيقية للسلام .*

*ما لا يعلمه هؤلاء ان الشعب السوداني اليوم أكثر وعياً من أي وقت مضى ، فتجربة الحرب بكل آلامها ، جعلت الناس يرون بعيونهم حقيقة المؤامرة ، رأوا من يزرع الموت والدمار باسم (الحرية) و(السلام) ، ومن يدافع عن بقاء الدولة وإستمرار مؤسساتها ، ولذلك فإن محاولات حكومة تأسيس لتضليل الرأي العام لم تعد تنطلي على أحد ، لأن الشعب أصبح شاهد عيان على كل ما يجري ، ولن يسمح بتكرار المأساة باسم هذه الشعارات الجوفاء أبداً .*

*فمن يريد أن يحكم السودان حقاً فلا يبدأ بتدمير ما تبقّى منه ، وحتى لو جلست الحكومة السودانية على طاولة تفاوض مع من جثموا على خيرات الوطن ودمروه ، وإغتصبوا حرائره ، وحتى لو ضغطت عليه أُمم أو قوى دولية فاضطرت الحكومة إلى قبول هذه العصابة ، فلن يسمح الشعب السوداني بدخولهم عبر اي منفذ من منافذ هذه الأرض الطاهرة ، أو حتى القبول بهم .*

*الشعب هو الحاكم الحقيقي لذاته ، وهو الذي يختار من يمثله ويحمي أرضه وكرامته ، ولا يمكن لأي سلطة أو قوة أن تفرض عليه حكماً لا يريده أو تُكسر من إرادته بالقهر ، ولن تُباع خيارات هذه الأمة ، ولن تستطيع أن تُفصل هويتها بمنصة تفاوض ، أو بتوقيع على ورق ، وأن إرادة هذا الشعب ستبقى الحاجز الأول والأخير أمام من يحاولون فرض أي أمر واقع لا يحترم حقه في تقرير مستقبله والماء يكذب الغطاس ، ومن يريد أن يجرب فعليه أن يفعل .*

*نصر من الله وفتح قريب وبشر*
elbagirabdelgauom@gmail.com

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى