
تأملات
جمال عنقرة
تلقيت ردوداً وتعليقات كثيرة حول مقالي الأخير بعنوان “حكومة تأسيس دولة الكرامة” وللذين لم يطلعوا علي المقال، فهو كان حصاد حوارات استمرت لفترة ليست بالقصيرة، ولكنها تكثفت في الأيام الأخيرة حول أهمية تشكيل حكومة أصيلة تقود البلاد في المرحلة القادمة، وملامح هذه الحكومة، وخلصنا إلى بعض النقاط المهمة التي ذكرتها في المقال، أولها التسمية الصحيحة للمرحلة، واتفقنا في ذلك مع الاسم الذي ابتدره السيد مالك عقار نائب رئيس مجلس السيادة وهو “مرحلة التأسيس” حيث أن هذا الاسم يعطي دلالة أشمل واعمق من “المرحلة الانتقالية” حيث أن الأخير لا يخرج من نقل السلطة من مجموعة إلى مجموعة، بينما المطلوب وضع أسس وضوابط متينة وراكزة تقوم عليها الدولة المنشودة التي تسعنا جميعا دون عزل أو إقصاء، ودون أن يكون فيها فضل ولا تمييز لمواطن علي غيره من المواطنين، لذلك اخترنا اسم مرحلة التأسيس، وميزناها ب”الكرامة” لتعبر عن ملمح المرحلة وتحديها الأساسي.
اتفقنا أيضا أن تقوم الحكومة علي الذين قادوا حرب الكرامة وتصدوا بارواحهم واموالهم واولادهم لدحر التمرد وصد العدوان، وحذرنا من الوقوع في الخطأ الذي ضيع كثير من مكتسبات السودان الثورية، وآخرها ثورة ديسمبر، واذكر وصفا لطيفا كان قد قال به صديقنا الحكيم اللطيف المرحوم المقدم م صلاح عبد العال مبروك، وكان صلاح يرحمه الله قد شبه ثورة أبريل ١٩٨٥م بقطار كريمة، يخرج من كريمة يحمل الركاب من كل محطات الشمال والنيل ويكتظ بهم، فلما يصل محطة الخرطوم تتناوله عربات التاكسي والبكاسي تاخذ ركابه توزعهم علي أنحاء العاصمة المختلفة، الكلاكلة، ام بدة، الثورة، الحاج يوسف، وغيرها، وبعد ساعة زمن يصير فارغا وكان شيئا لم يكن، وفي ديسمبر ٢٠١٨م حدث أسوأ من ذلك، فلما وصل القطار محطة النصر استولي علي قيادته اغراب عنه وعن الشعب، وخرجوا به عن مساره، وكانت حرب أبريل الملعونة هي الحصاد المر لهذا الشلب للثورة، ولعرق ودماء الشعب، فحكومة تأسيس دولة الكرامة لا يشارك فيها الا الذين شاركوا في معركة الكرامة، والذين قادوا معركة التحرير هم الاقدر علي قيادة مرحلة التاسيس بفضل الله القادر القدير.
وكما هو معلوم أن القوات المسلحة كانت ولا زالت، وستظل بإذن الله تمثل راس الرمح الملتهب في معركة الكرامة، ومعها كل الشعب السوداني بلا استثناء إلا الشواذ، والشواذ لا يؤخذ بهم حكم، ولكن الشعب كله شكل وقودا لاشعال جذوة نار معركة الكرامة عبر قطاعاته ومكوماته المهنية والوطنية الفاعلة، وكنت قد حصرت فصائل المعركة، أولا في راس الرمح القوات المسلحة، وشقيقاتها القوات النظامية الأخري الشرطة والامن والمخابرات، وشركاء البطولة والفداء القوات المشتركة لحركات الكفاح المسلح، والمستنفرين من كل اهل السودان، وخصصت للتميز والفداء السخي القوات الخاصة والبراءئين، فهؤلاء هم الذين لا يزالون يقودون معركة الكرامة ومن خلفهم كل الشعب، وهم الذين يجب أن يقودوا حكومة تأسيس دولة الكرامة، وفي ذلك وجدت اتفاقا يمكن أن أقول عليه كاملا مع كل الذين اتصلوا أو تواصلوا معي بشأن المقال المشار إليه.
لم أقف عند حد الملامح العامة، لكنني كنت قد دخلت أيضا في التفاصيل، وتشاورت فيها مع كثيرين ممن اثق في رجاحة رأيهم حتى لا نترك فرصة للشيطان للدخول عبر بوابة التفاصيل.
اقترحنا أولا أن يكون مجلس السيادة كله مدني، ولا خلاف في أن يكون رئيس المجلس هو قائد ورمز معركة الكرامة سعادة الفريق اول ركن عبد الفتاح البرهان، والبرهان كما يعلم كل الناس كان أول من شارك في القتال بنفسه فجر يوم الخيانة العظني، يوم أن كان هو الهدف الأول لسلاح الغادرين الأوغاد، وظل يسجل حضورا دائما في كل صفوف المعارك الأمامية، فهو الاحق والاقدر لقيادة السيادة، فيكون رئيسا لمجلس السيادة وقائد اعلي للقوات المسلحة، ولكن في ثياب مدنية، ويكون معه في السيادة ستة اعضاء مدنيين يمثلون اقاليم السودان الستة القديمة، ورشحنا من كل إقليم الأشهر في معركة الكرامة، وليس حوله خلاف كبير، ففي الشرق الناظر محمد الأمين ترك، وفي الشمال السيد ازهري مبارك، وفي دار فور السلطان سعد بحر الدين، وفي كردفان السيد أحمد صالح صلوحة، وفي الوسط السيدة مريم الشريف الهندي، وفي الخرطوم الشيخ عبد الرحيم محمد صالح.
ثم رشحنا بقية أركان وقيادات ورموز معركة الكرامة إلى المواقع المفصلية في حكومة تأسيس دولة الكرامة، الزعيم مالك عقار رئيسا لمجلس الوزراء، الفريق أول ركن شمس الدين كباشي وزيرا للدفاع وقائدا عاما للقوات المسلحة، الفريق أول ركن ياسر العطا رئيسا لهيئة الأركان، الفريق أول أحمد إبراهيم مفضل مديرا لجهاز الأمن والمخابرات، الفريق مهندس مستشار إبراهيم جابر وزيرا للإستثمار، الدكتور جبريل إبراهيم وزيرا للمالية، القائد منى اركو مناوي حاكما لاقليم دارفور.
بقية قادة ورموز معركة الكرامة الأساسيين يشاركون في مواقع قيادية اخري حسب تخصصاتهم، ومقدراتهم وليس حسب اي تخصيص أو محاصصة، اما المواقع الوزارية والمفصلية الأخري فيتم الترشيح لها من ذوي الاختصاص والكفاءة الوطنيين، الراكزين، الثابتين، المرابطين.
وأقول، والله علي ما اقول شهيد، أن كل الذين تواصلوا معي مباشرة وغير مباشر حول كل ما ذكرت، بما في ذلك كل الاسماء التي ذكرتها بمواقعها، تطابقت رؤاهم مع رؤيتي بنسبة ١٠٠% عدا واحد فقط، اختلف معي في شخص واحد فقط، يري انه اكفأ منه للموقع الذي رشحناه له، ومع ذلك اعتقد اننا في حاجة إلى حوار عاجل وعميق حول فكرة وشكل حكومة تمثل المرحلة وتكون قادرة علي قيادة البلاد إلى بر الأمان والتاسيس للدولة المرجوة.
وأعتقد أنه من الواجب أيضا أن يشرع السيد الرئيس فورا – هذا ان لم يكن قد بدأ بالفعل – الاعداد لمؤتمر حوار سوداني سوداني داخل ارض الوطن يشارك فيه كل اهل السودان، بلا عزل ولا إقصاء ولا تمييز، يحدد فيه السودانيون ملامح ومعالم الدولة التي ينشدون.
وأعتقد أنه مثلما خرج السودانيون موحدين متحدون وشاركوا معا صفا واحدا كالبنيان المرصوص في معركة الكرامة، عليهم أن يخرجوا معا موحدين متحدين لعبور المرحلة الأصعب، مرحلة حكومة تأسيس دولة الكرامة، وهنا يقع العبء علي عاتق قادة وزعماء المكونات السياسية والمجتمعية المشاركة في المعركة، فإن التشتت والتشرذم الذي يعيشون فيه اليوم، يعطل مسار البلد، ومسار قادتها، ولا يعين علي توحيد الصف الوطني، وحسنا يفعل البعض، الذين يسعون إلى بناء تحالف عريض لكل الذين يرابطون خلف القوات المسلحة في معركة الكرامة.