مقالات

حين يرحل من يُضيء الصورة… وتغرق الكاميرا في دموعها

 

 

بقلم: د. الشاذلي عبد اللطيف

الجمعة ٢١ رمضان

 

بعض الفواجع لا تُحكى… بل تُبكى.

وبعض الصباحات لا تُشرق… بل تُدفن.

 

صباح اليوم، سال دمع الوطن قبل دمه…

مسيرة انتحارية باغتت القصر الجمهوري، لكنها لم تمسّ الجدران بقدر ما هدمت قلوبنا…

قضت على من كانوا يحملون الحقيقة في أيديهم، لا السلاح،

من كانوا يطاردون الضوء ليحكوا للناس ما يحدث، فخطفهم الظلام في لحظة.

 

استُشهد فاروق الزاهر…

المخرج الذي لم يكن خلف الكواليس، بل خلف ضوء الوطن.

كان يسكن خلف الصورة، لكنه كان وجهها، وصداها، ودفئها…

رحل في صمتٍ ثقيل، لكنه ترك وراءه فراغًا تصرخ له كل الكاميرات.

 

وغاب مجدي المصور،

ذاك الذي لطالما حمل العدسة بيده، وقلبه في لقطة…

أين العدسة الآن؟ من سيكمل الرواية التي بدأها؟

سقط ومعه آخر مشهد من الحقيقة.

 

ورحل سائق العربة…

الذي لم يُكتب اسمه في شارة البرامج، لكنه كان أول من يصل، وآخر من يعود…

حتى عاد اليوم شهيدًا، بلا ضوء، بلا وداع.

 

النقيب عماد…

كان الإعلام العسكري فيه رجلًا بكامل معنى الجندية والكلمة،

سقط وهو يؤدي واجبه، لكنه صعد إلى السماء مرفوع الرأس، كما عاش.

 

أُصيب إبراهيم مضوي، بين الألم والنجاة،

ونجا طه البشير جسدًا… لكن أي نجاة بعد أن رحل من كانوا حولك بالأمس، وضاع صوتهم للأبد؟

 

يا رب…

كيف نكتب عن الذين كانوا يكتبون لنا؟

كيف نرثي من صنعوا مشاهد الوطن؟

كيف نمسح هذه الدماء عن ذاكرة تلفزيون، كانت وظيفته أن يُضيء… لا أن يُطفأ برجاله؟

 

اليوم ليست فقط أسرٌ قد ترمّلت، ولا أمهات ثكِلن أبناءهن…

اليوم، الإعلام نفسه، العدسة، الكلمة، المايكروفون، كلها لبست السواد.

 

رحمكم الله يا أنقياء…

يا من كانت آخر رحلتكم في اتجاه الوطن،

فأخذكم الوطن بين يديه ودفنكم في قلبه.

 

لا حول ولا قوة إلا بالله

إنا لله وإنا إليه راجعون.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى