مقالات

دارفور من السلطان علي دينار إلى شباب الثورة 

 

دارفور — شعار شباب الثورة

دارفور اليوم أصبحت رمزًا للصمود والكرامة، ليس فقط في مواجهة الحرب الحالية، بل أيضًا كصوتٍ شبابي يطالب بالعدالة والمساواة.

شعار “دارفور أولًا” أو “كل البلد دارفور” الذي رفعه شباب الثورة يعبر عن وعي عميق:

> أن ما جرى في دارفور ليس قضية إقليمية بل قضية وطنية تمسّ ضمير السودان كله.

فالشباب ربطوا بين العدالة لدارفور وبين بناء الدولة المدنية الجديدة، أي أن لا يكون هناك “مركز” مهيمن و”هامش” منسي.

2. دارفور — السلطان تاج الدين

السلطان تاج الدين كان من أبرز سلاطين دارفور في القرن التاسع عشر. تميز بحكم قوي وبسياسة قائمة على الاستقلالية والكرامة.

دارفور في عهده كانت تمتلك نظامًا إداريًا متكاملًا، وعلاقاتٍ تجارية ودبلوماسية تمتد حتى مصر والحبشة ووسط إفريقيا.

كانت سلطنة ذات سيادة، لا تخضع تمامًا للنفوذ العثماني أو المصري، ما جعلها نموذجًا مبكرًا للسيادة الوطنية في السودان.

3. قيادات الجيش الفرنسي — الجنرال فيكوشو والجنرال هنري مول (Henri Moll / Fauchot)

 

هؤلاء القادة الفرنسيون قادوا الحملات العسكرية في تشاد ووسط إفريقيا مطلع القرن العشرين.

حينها كانت فرنسا توسّع نفوذها الاستعماري غربًا وشرقًا، ما جعل دارفور في مواجهة مباشرة مع التمدد الفرنسي البريطاني.

دارفور كانت تقع على حدود صراع المصالح بين الإمبراطوريتين، فكان السلطان علي دينار يحاول الحفاظ على استقلاله السياسي وسط هذا الطوق الاستعماري.

إذن، الجنرالات الفرنسيون يمثلون في التاريخ رمزية التهديد الخارجي، بينما دارفور تمثل رمز المقاومة والسيادة.

4. السلطان علي دينار

 

السلطان علي دينار (1856–1916) هو أحد أعظم الرموز الوطنية في تاريخ السودان.

بعد سقوط الدولة المهدية، أعاد بناء سلطنة دارفور عام 1898، وحكمها بحكمة وشجاعة.

اشتهر بدعمه للحرمين الشريفين، وكان يرسل كسوة الكعبة سنويًا من دارفور إلى مكة — وهو عمل يرمز إلى الكرم الإيماني والسيادة الإسلامية في آن واحد.

في النهاية، اصطدم بالإنجليز لأنه رفض الخضوع لهم، فقُتل في معركة جبل كاجا عام 1916، لتدخل دارفور رسميًا تحت الحكم البريطاني.

وفاته كانت نهاية السلطنة المستقلة وبداية الاستعمار الكامل للسودان الغربي.

🕋 5. كسوة الكعبة

 

الكسوة التي كان السلطان علي دينار يرسلها لمكة أصبحت رمزًا للسيادة الروحية والسياسية لدارفور.

كانت تقول للعالم الإسلامي إن دارفور ليست هامشًا، بل بلد إيمان وكرامة له دور في خدمة الحرمين، أي في قلب الأمة الإسلامية.

اليوم، عودة هذا الرمز في خطاب الشباب تشير إلى الحنين لسيادةٍ روحية وسياسية ضاعت، وإلى الرغبة في استعادة قيم العدل والكرم التي مثّلها السلطان.

6. دارفور ونصرة المهدي وقيام الدولة المهدية

 

دارفور كانت من أوائل الأقاليم التي انضمت إلى الثورة المهدية.

القبائل الدارفورية شاركت في المعارك الكبرى، وقدمت قادة ومجاهدين بارزين.

هذا الانخراط العميق في الحركة المهدية يعكس التفاعل بين الدين والسياسة في دارفور — فهي كانت تؤمن بفكرة الإصلاح الإسلامي والعدالة الاجتماعية قبل أن تصبح شعارات حديثة.

إذن، نصرة المهدي ليست حدثًا عابرًا بل تعبير عن هوية دارفور الثورية التي لا ترضى بالظلم، سواء كان استعمارًا أو استبدادًا داخليًا.

الخلاصة: دارفور — من السلطنة إلى الثورة

 

إذا جمعنا كل هذه الرموز:

 

السلطان تاج الدين (السيادة القديمة)

 

علي دينار (الكرامة والدين)

 

كسوة الكعبة (البعد الروحي)

 

نصرة المهدي (الثورة والإصلاح)

 

شباب دارفور اليوم (العدالة والحرية)

 

 

نجد أن دارفور لم تكن هامشًا قط، بل كانت دائمًا مركزًا للكرامة والوعي والتمرد ضد الظلم.

وتاريخها المتصل من السلطنة إلى الثورة الحديثة هو شاهد على أن الروح الدارفورية هي روح السودان نفسه: الإيمان، الشجاعة، والبحث عن العدل.

السودان إفريقيا مصغرة

 

الدروس المستفادة من الأزمة الأخيرة تشير إلى أن الدولة المدنية لا تُبنى بالقوة العسكرية وحدها. بل تتطلب إرادة سياسية حقيقية، وإشراك كافة القوى الوطنية، بما في ذلك الشباب والنساء والمجتمعات الريفية، الذين عانوا طويلًا من الإقصاء والتهميش.

 

إن بناء دولة مدنية يعني تأسيس مؤسسات قوية وشفافة، تضمن حقوق المواطنين، وتكفل العدالة والمساواة، وتضع حدًا للإفلات من العقاب. ويبدأ ذلك بإصلاح جهاز القضاء، وتعزيز استقلالية الأجهزة الرقابية، ومكافحة الفساد الذي استشرى خلال عقود من النزاعات .

المصالحة الوطنية والتعايش

 

النجاح في بناء الدولة المدنية يعتمد أيضًا على المصالحة الوطنية الحقيقية. فالحرب تركت جراحًا عميقة بين المجتمعات، بين قبائل وأطراف سياسية مختلفة، وبين المدنيين والقوات المسلحة. يجب أن تتحول العدالة من كونها مجرد محاكمات جزائية إلى أداة للتقارب والمصالحة، من خلال لجان وطنية، وبرامج تعويض متوازنة، ومشاريع إعادة إعمار تشمل المناطق الأكثر تضررًا، مثل دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق.

الاقتصاد والتنمية البشرية :-

 

لا يمكن لدولة مدنية أن تزدهر دون اقتصاد مستقر وفرص حقيقية لشبابها. لذلك، يشكل الاستثمار في الموارد الطبيعية والبشرية حجر الأساس لإعادة بناء السودان.

 

الموارد البشرية: تدريب الشباب والنساء على المهارات المطلوبة في سوق العمل، وتعزيز التعليم الفني والعلمي.

 

الموارد الطبيعية:

إدارة الموارد المعدنية والزراعية بطريقة شفافة، بعيدًا عن الفساد والاستغلال غير المشروع.

 

البنية التحتية:

إعادة تأهيل الطرق والمستشفيات والمدارس لضمان حياة كريمة للمواطنين، ولخلق بيئة مناسبة لجذب الاستثمارات المحلية والدولية.

الدور الإقليمي والدولي:-

 

مستقبل السودان المدني مرتبط أيضًا بعلاقاته مع محيطه الإقليمي والدولي. فعلاقات بنّاءة مع الجيران، ودعم المجتمع الدولي في إعادة الإعمار، وضمان عدم تدخل القوات المسلحة أو الميليشيات في السياسة، كلها عوامل حاسمة لنجاح التحول المدني.

آفاق العدالة والاستقرار:-

 

الرسالة الأهم للسودانيين وللعالم هي أن لا سلام حقيقي دون عدالة، ولا استقرار دائم دون دولة مدنية شفافة. فالمحاكمات، والمساءلة، والمصالحة، وإصلاح المؤسسات، ليست مجرد خطوات شكلية، بل هي الركائز التي سيبني عليها السودان مستقبله. وإن التحدي كبير، إلا أن الإرادة الشعبية، بدعم الحكمة السياسية، قادرة على تحويل الحلم المدني إلى واقع ملموس، حيث يصبح السودان دولة تحتضن مواطنيها جميعًا، وتحمي حقوقهم، وتستثمر في مستقبلهم.

د. إبراهيم الأمين

مركز ٦ أبريل للدراسات الاستراتيجيه والثقافية

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى