
دبلوماسية المصالح
بقلم _السفير د. عوض البارودي سفير السودان لدى النيجر
رحم الله المتنبئ القائل :
لولا المشقة ساد الناس كلهم
الجود يفقر والإقدام قتال
فهو قول لخص كنه الوجود وقيمة السعي ومغالبة الزمان، قول ينطلي على الأمم كما على الأفراد، فالكل يحيا ما دام قد خلق ولكن ليس الكل يصعد إلى القمم. وهذا قطعا محض اختيار لا مجرد مصير. فمن أعطاه الله أسباب الحياة وأجرى من تحته الأنهار وأحاطه بالبحار و ساقط فوقه الثمار و أخرج تبره من القفار وسخر له العشار، له أن يحيى في السفوح هانئا كما الأنعام ترعى وتنام. ولكنه لن يسلم من غارات الذئاب وأطماع اللئام. فمن عرف الحرمان وغالب الحاجة نازعته نفسه نحو مواطن الثروات وجود الطبيعة. من هنا نشأت فكرة الاستعمار التي لازالت تتشكل في صور متغيرة بذات الأهداف.
قدر السودان أن يكون من زمرة الدول ذات الثروات الطبيعية الكبيرة المتنوعة ولكن ليس قدره أن يبقى يحرث بالمحرات ويسقي بالشادوف ويترك الثمار ملقية حتى تتعفن والأبقار هزيلة لا تنتج لبنا والألبان تفسد لا تصنع جبنا ولا سمنًا والانهار تجري بماء لا يجد من يوقفه ليروي أرضنا العطشى والناس تشكو من الظمأ والماء تحت أقدامها مخزون، والأنعام تشكونا لخالقها من ضعف ومن مرض وهي تملأ بوادينا.
سيظل الناس يأكلون ويشربون ويلبسون ولن يستطيع أحد أن يتخلى عن هذه الاحتياجات الضرورية. وبلادنا موطن ومنشأ لكل دواعي هذه الاحتياجات الإنسانية الملحة، فلن تبور لنا سلعة ولن تكسد تجارتنا ما أحسنا إدارة مواردنا وجودنا منتجاتنا وفتحنا لها أسواقًا خارجية متعطشة لها.
إن حسن التعاطي مع ثرواتنا الطبيعية واتاحتها لمن يرغب في الاستثمار بها والاتجار معنا هو أقوى عوامل الاستقرار والنماء لبلادنا وأدعى إلى بناء علاقات خارجية تقوم على تبادل المصالح والمنافع وتسد أبواب الأطماع ونوازع العدوان.
فتبادل المصالح هي اللغة المشتركة مع العالم من حولنا التي يفهما الجميع. ولا مكان للغة التعاطف والاستجداء مهما بلغ حجم البلاء واشتد إوار المحن. فالرهان الرابح هو التعاطي الإيجابي وخلق قواسم مشتركة مع دول العالم من حولنا وفق رؤية وطنية تضمن للسودان أمنه واستقراره ونمائه.